وقرىء: { أن تضلوا } بضم التاء وكسر الضاد من أضل وقراءة الجمهور بفتح التاء وكسر الضاد من ضل.
{ من الذين هادوا } لما ذكر تعالى أنهم أوتوا التوراة وآثروا اشتراء الضلالة، ذكر أيضا مما يذمهم به وهو تحريف الكلم عن مواضعه. فقوله:
{ يحرفون } صفة لمبتدأ محذوف وخبره الجار والمجرور قبله وحذفه فصيح كقول العرب: مناطعن ومنا أقام. وأجاز القراء أن يكون المحذوف الموصول تقديره من يحرفون فيحرفون صلة لمن المحذوفة.
{ ويقولون سمعنا وعصينا } الظاهر أنهم شافهوا النبي صلى الله عليه وسلم بهاتين الجملتين وخاطبوه بقولهم: { واسمع غير مسمع } وهذا كلام موجه. والظاهر أنهم أرادوا به الوجه المكروه لسياق ما قبله من قوله: سمعنا وعصينا، وانتصب غير مسمع على الحال أي واسمع حال كونك لا تسمع فيكون ذلك على سبيل الدعاء كأنهم قالوا: واسمع لا سمعت. ويجوز أن يكون غير مسمع صفة لمصدر محذوف أي واسمع سمعا غير مسمع.
{ ورعنا ليا بألسنتهم } تقدم تفسير راعنا في البقرة. وليا أي فتلا، وتحريفا عن الحق إلى الباطل. وانتصاب ليا وطعنا على المفعول من أجله أو على أنهما مصدران في موضع الحال وطعنهم في الدين إنكار نبوته وتغيير نعته.
{ ولو أنهم قالوا سمعنا وأطعنا واسمع وانظرنا لكان خيرا لهم } أي لو تبدلوا بالعصيان الطاعة ومن راعنا بأنظرنا.
وقال الزمخشري: ولو ثبت قولهم سمعنا وأطعنا لكان قولهم ذلك حيزا لهم وأقوم وأعدل وأسد. " انتهى ". سبك الزمخشري من أنهم قالوا مصدرا مرتفعا بثبت على الفاعلية وهذا مذهب المبرد خلافا لسيبويه إذ يرى سيبويه أن ان بعد لو مع ما عملت فيه تتقدر باسم مبتدأ وهل الخبر محذوف أو لا يحتاج إلى تقدير الخبر لجريان المسند والمسند إليه في صلة أن قولان أصحهما هذا. فالزمخشري وافق مذهب المبرد وهو مذهب مرجوح في علم النحو.
{ إلا قليلا } استثناء من ضمير المفعول في لعنهم، أي إلا قليلا لم يلعنهم فأمنوا، أو استثناء من الفاعل في فلا يؤمنون، أي إلا قليلا فآمنوا كعبد الله بن سلام وكعب الاحبار وغيرهما أو هو راجع إلى المصدر المفهوم من قوله: فلا يؤمنون أي إلا إيمانا قليلا فلله إذ آمنوا بالتوحيد وكفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم وبشرائعه.
وقال الزمخشري: إلا إيمانا قليلا أي ضعيفا ركيكا لا يعبأ به وهو إيمانهم بمن خلقهم مع كفرهم بغيره وأراد بالقلة العدم كقوله:
قليل التشكي للهموم تصيبه
Bilinmeyen sayfa