أي لملاك: والذين كفروا ليس عاما بل هو خاص فيمن علم الله أنه لا يؤمن. ألا ترى إلى قوله: { إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين }.
{ ما كان الله ليذر المؤمنين } واللام مني ليذر المؤمنين لام الجحود وهي تأتي بعد كون ماض لفظا أو معنى بحرف نفي وهو ما أو لم، وخبر كان محذوف عند البصريين تتعلق به اللام وان مضرة بعد اللام والتقدير عندهم ما كان الله مزيدا لأن يذر ومذهب الكوفيين ان اللام زائدة ناصبة للفعل والخبر هو نفس يذر ولولا اللام كان الفعل يذر والخطاب في قوله: على ما أنتم عليه، للمؤمنين وغيرهم من الكفار أي لا يترك الله أمر الجميع مشتبها حتى يميز الخبيث من الطيب بامتثال تكاليفه تعالى فيمتثله الطيب وهو المؤمن ويجتنبه الخبيث وهو الكافر، وهو العليم بالأحوال وما ينتهي إليه كل واحد منهما، ولذلك قال:
{ وما كان الله ليطلعكم على الغيب } والغيب هنا ما غاب عن البشر مما هو في علم الله تعالى من الحوادث التي تحدث ومن الأسرار التي في قلوب المنافقين ومن الأقوال التي يقولونها إذا غابوا عن الناس.
{ ولكن الله يجتبي } أي يصطفي: { من رسله من يشآء } فيطلعه على ما يشاء من غيبه.
[3.180-182]
{ ولا يحسبن الذين يبخلون } مناسبة هذه الآية لما قبلها أنه لما بلغ في التحريض على بذل الأرواح في الجهاد في الآيات السابقة شرع في التحريض هنا على بذل الأموال في الجهاد وغيره، وبين الوعيد الشديد لمن يبخل والبخل الشرعي عبارة عن منع بذل الواجب. وقرىء ولا تحسبن بالتاء فيكون الذين أول مفعولين لتحسبن وهو على حذف مضاف أي بخل الذين. وقرىء بالياء والفعل مسند إلى ضمير أحد فيكون الذين هو المفعول الأول على ذلك التقدير وإن كان الذين هو الفاعل فيكون المفعول الأول محذوفا تقديره بخلهم وحذف لدلالة يبخلون عليه وحذفه عزيز جدا عند الجمهور فلذلك الأولى تخريج هذه القراءة على قراءة التاء من كون الذين هو المفعول الأول على حذف مضاف وهو فصل، وخيرا المفعول الثاني ليحسبن، ويظهر لي تخريج غريب في الآية تقتضيه قواعد العربية وهو أن تكون المسألة من باب الأعمال إذا جعلنا الفعل مسندا للذين وذلك أن يحسبن يطلب مفعولين ويبخلون بيطلب مفعولا بحرف جر فقوله: ما آتاهم بطلبه يحسبن على أن يكون المفعول الأول ويكون هو فصلا وخيرا المفعول الثاني، ويطلبه يبخلون متوسط حرف الجر. فاعمل الثاني على الأفصح في لسان العرب وعلى ما جاء في القرآن وهو يبخلون فعدى بحرف الجر وأخذ معموله وحذف معمول يحسبن الأول ونفى معموله الثاني لأنه لم يتنازع فيه إنما جاء التنازع بالنسبة إلى المفعول الأول وساغ حذفه وحده كما ساغ حذف المفعولين في مسألة سيبويه متى رأيت أو قلت زيد منطلق لأن رأيت. وقلت في هذه المسألة: تنازعا زيد منطلق وفي الآية لم يتنازعا إلا في المفعول الواحد وتقدير المعنى ولا يحسبن ما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم الناس الذين يبخلون به فعلى هذا التقدير والتخريج يكون هو فصلا لما آتاهم المحذوف لا لتقديرهم بخلهم. ونظير هذا التركيب ظن الذي مر بهند هي المنطلقة المعنى ظن هذا الشخص الذي مر بها هي المنطلقة فالذي تنزعه الفعلان هو الاسم الأول فاعمل الثاني وبقي الأول يطلبه محذوفا ويطلب المفعول الثاني مثبتا إذ لم يقع فيه التنازع، ولما تضمن النهي انتفاء كون البخل أو المبخول به خيرا لهم وكان تحت الانتفاء قسمان: أحدهما أن لا خير ولا شر، والآخر: إثبات الشر، أتى بالجملة التي تعني أحد القسمين وهو إثبات كونه شرا لهم.
{ سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة } هذا تفسير لقوله: { بل هو شر لهم }. والظاهر حمله على المجاز أي سليزمون عقابه الزام الطوق.
{ لقد سمع الله } الآية نزلت في فنحاص بن عازوراء حاوره أبو بكر في الاسلام وأن يقرض الله قرضا حسنا، فقال: هذه المقالة، فضربه أبو بكر ومنعه من قبله العهد.
فشكاه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنكر. ما قال فنزلت تكذيبا لفنحاص وتصديقا للصديق رضي الله عنه. قال ابن عباس: وشمل قوله: الذين قالوا فنحاصا، ومن قال بمقالته كحي بن أخطب والياس بن عمرو.
{ سنكتب ما قالوا } الظاهر إجراء الكتابة على أنها حقيقة فتكتب الأعمال في صحف وان تلك الصحف هي التي توزن ويحدث الله الثقل فيها والخفة. وقيل: الكتابة مجاز ومعناها الاحصاء للشيء وضبطه وعدم إهماله وكينونته في علم الله مثبتا محفوظا لا ينسى كما يكتب المكتوب. وقرىء سنكتب بالنون وقتلهم نصبا ونقول بالنون. وقرىء سيكتب مبنيا للمفعول وقتلهم رفعا ويقول بالياء، ولما كان الصادر منهم قولا وفعلا ناسب أن يكتب الجزاء قولا وفعلا فتضمن القول والفعل، قوله: ونقول ذوقوا عذاب الحريق وفي الجمع لهم بين القول والفعل أعظم انتقام ويقال للمنتقم فيه أخس وذق.
Bilinmeyen sayfa