87

Mizan Tefsiri

تفسير الميزان - العلامة الطباطبائي

Türler

Tefsir

ثم إن القرآن مع ذلك لا ينفي الشفاعة من أصلها، بل يثبتها بعض الإثبات، قال تعالى: "الله الذي خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع أفلا تتذكرون": السجدة - 3، وقال تعالى: "ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع": الأنعام - 51، وقال تعالى: "قل لله الشفاعة جميعا": الزمر - 44، وقال تعالى: "له ما في السموات وما في الأرض من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه، يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم": البقرة - 255، وقال تعالى: "إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يدبر الأمر ما من شفيع إلا من بعد إذنه": يونس - 3، وقال تعالى: "وقالوا اتخذ الله ولدا سبحانه بل عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون": الأنبياء - 28، وقال: "ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة إلا من شهد بالحق وهم يعلمون": الزخرف - 86، وقال: "ولا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا": مريم - 87، وقال تعالى: "يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا، يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علما": طه - 110، وقال تعالى: "ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له": السبا - 23، وقال تعالى: "وكم من ملك في السموات لا تغني شفاعتهم شيئا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى": النجم - 26، فهذه الآيات كما ترى بين ما يحكم باختصاص الشفاعة بالله عز اسمه كالآيات الثلاثة الأولى وبين ما يعممها لغيره تعالى بإذنه وارتضائه ونحو ذلك، وكيف كان فهي تثبت الشفاعة بلا ريب، غير أن بعضها تثبتها بنحو الأصالة لله وحده من غير شريك، وبعضها تثبتها لغيره بإذنه وارتضائه، وقد عرفت أن هناك آيات تنفيها فتكون النسبة بين هذه الآيات كالنسبة بين الآيات النافية لعلم الغيب عن غيره، وإثباته له تعالى بالاختصاص ولغيره بارتضائه، قال تعالى: "قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب": النمل - 65، وقال تعالى: "وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو": الأنعام - 59 وقال تعالى: "عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول": الجن - 27، وكذلك الآيات الناطقة في التوفي والخلق والرزق والتأثير والحكم والملك وغير ذلك فإنها شائعة في أسلوب القرآن، حيث ينفي كل كمال عن غيره تعالى، ثم يثبته لنفسه، ثم يثبته لغيره بإذنه ومشيته، فتفيد أن الموجودات غيره تعالى لا تملك ما تملك من هذه الكمالات بنفسها واستقلالها، وإنما تملكها بتمليك الله لها إياها، حتى أن القرآن تثبت نوعا من المشية في ما حكم فيه وقضى عليه بقضاء، حتم كقوله تعالى: "فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك، إن ربك فعال لما يريد وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ": هود - 108، فقد علق الخلود بالمشية وخاصة في خلود الجنة مع حكمه بأن العطاء غير مجذوذ، إشعارا بأن قضاءه تعالى بالخلود لا يخرج الأمر من يده ولا يبطل سلطانه وملكه عز سلطانه كما يدل عليه قوله: "إن ربك فعال لما يريد": هود - 107، وبالجملة لا إعطاء هناك يخرج الأمر من يده ويوجب له الفقر، ولا منع يضطره إلى حفظ ما منعه وإبطال سلطانه تعالى.

ومن هنا يظهر أن الآيات النافية للشفاعة إن كانت ناظرة إلى يوم القيامة فإنما تنفيها عن غيره تعالى بمعنى الاستقلال في الملك، والآيات المثبتة تثبتها لله سبحانه بنحو الأصالة، ولغيره تعالى بإذنه وتمليكه، فالشفاعة ثابتة لغيره تعالى بإذنه فلننظر ما ذا يفيده كلامه في معنى الشفاعة ومتعلقها؟ وفيمن تجري؟ وممن تصح؟ ومتى تتحقق؟ وما نسبتها إلى العفو والمغفرة منه تعالى؟ ونحو ذلك في أمور.

1 - ما هي الشفاعة؟

Sayfa 88