Mizan Tefsiri
تفسير الميزان - العلامة الطباطبائي
Türler
ومن الآيات قوله تعالى: "قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا فهل إلى خروج من سبيل": المؤمن - 11، فهنا إلى يوم البعث - وهو يوم قولهم هذا - إماتتان وإحيائان، ولن تستقيم المعنى إلا بإثبات البرزخ، فيكون إماتة وإحياء في البرزخ وإحياء في يوم القيامة، ولو كان أحد الإحيائين في الدنيا والآخر في الآخرة لم يكن هناك إلا إماتة واحدة من غير ثانية، وقد مر كلام يتعلق بالمقام في قوله تعالى: "كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم": البقرة - 28 فارجع.
ومن الآيات قوله تعالى: "وحاق بآل فرعون سوء العذاب النار. يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب": المؤمن - 46، إذ من المعلوم أن يوم القيامة لا بكرة فيه ولا عشي فهو يوم غير اليوم.
والآيات التي تستفاد منها هذه الحقيقة القرآنية، أو تومىء إليها كثيرة، كقوله تعالى: "تالله لقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فزين لهم الشيطان أعمالهم فهو وليهم اليوم ولهم عذاب أليم": النحل - 63، إلى غير ذلك.
تجرد النفس
ويتبين بالتدبر في الآية، وسائر الآيات التي ذكرناها حقيقة أخرى أوسع من ذلك، وهي تجرد النفس، بمعنى كونها أمرا وراء البدن وحكمها غير حكم البدن وسائر التركيبات الجسمية، لها نحو اتحاد بالبدن تدبرها بالشعور والإرادة وسائر الصفات الإدراكية، والتدبر في الآيات السابقة الذكر يجلي هذا المعنى فإنها تفيد أن الإنسان بشخصه ليس بالبدن، لا يموت بموت البدن، ولا يفنى بفنائه، وانحلال تركيبه وتبدد أجزائه، وأنه يبقى بعد فناء البدن في عيش هنيء دائم، ونعيم مقيم، أو في شقاء لازم، وعذاب أليم، وأن سعادته في هذه العيشة، وشقاءه فيها مرتبطة بسنخ ملكاته وأعماله، لا بالجهات الجسمانية والأحكام الاجتماعية.
فهذه معان تعطيها هذه الآيات الشريفة، وواضح أنها أحكام تغاير الأحكام الجسمانية، وتتنافى الخواص المادية الدنيوية من جميع جهاتها، فالنفس الإنسانية غير البدن.
ومما يدل عليه من الآيات قوله تعالى: "الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى": الزمر - 42، والتوفي والاستيفاء هو أخذ الحق بتمامه وكماله، وما تشتمل عليه الآية: من الأخذ والإمساك والإرسال ظاهر في المغايرة بين النفس والبدن.
ومن الآيات قوله تعالى: "وقالوا أإذا ضللنا في الأرض أإنا لفي خلق جديد بل هم بلقاء ربهم كافرون قل يتوفيكم ملك الموت الذي وكل بكم ثم إلى ربكم ترجعون": السجدة - 11، ذكر سبحانه شبهة من شبهات الكفار المنكرين للمعاد، وهو أنا بعد الموت وانحلال تركيب أبداننا تتفرق أعضاؤنا، وتبدد أجزاؤنا، وتتبدل صورنا فنضل في الأرض، ويفقدنا حواس المدركين، فكيف يمكن أن نقع ثانيا في خلق جديد؟ وهذا استبعاد محض، وقد لقن تعالى على رسوله: الجواب عنه، بقوله: قل: يتوفيكم ملك الموت الذي وكل بكم الآية، وحاصل الجواب أن هناك ملكا موكلا بكم هو يتوفاكم ويأخذكم، ولا يدعكم تضلوا وأنتم في قبضته وحفاظته، وما تضل في الأرض إنما هو أبدانكم لا نفوسكم التي هي المدلول عليها بلفظ كم فإنه يتوفاكم.
ومن الآيات قوله تعالى: "ونفخ فيه من روحه" الآية: السجدة - 9، ذكره في خلق الإنسان ثم قال تعالى: "يسئلونك عن الروح قل الروح من أمر ربي": الإسراء - 85، فأفاد أن الروح من سنخ أمره، ثم عرف الأمر في قوله تعالى: "إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء": يس - 83 فأفاد أن الروح من الملكوت، وأنها كلمة كن ثم عرف الأمر بتوصيفه بوصف آخر بقوله: "وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر": القمر - 50، والتعبير بقوله: كلمح بالبصر يعطي أن الأمر الذي هو كلمة كن موجود دفعي الوجود غير تدريجية، فهو يوجد من غير اشتراط وجوده وتقييده بزمان أو مكان، ومن هنا يتبين أن الأمر - ومنه الروح شيء غير جسماني ولا مادي فإن، الموجودات المادية الجسمانية من أحكامها العامة أنها تدريجية الوجود، مقيدة بالزمان والمكان، فالروح التي للإنسان ليست بمادية جسمانية، وإن كان لها تعلق بها.
Sayfa 203