Mizan Tefsiri
تفسير الميزان - العلامة الطباطبائي
Türler
أقول: قد ظهر مما مر وجه عموم الرحمن للمؤمن والكافر واختصاص الرحيم بالمؤمن، وأما كون الرحمن اسما خاصا بصفة عامة والرحيم اسما عاما بصفة خاصة فكأنه يريد به أن الرحمن خاص بالدنيا ويعم الكافر والمؤمن والرحيم عام للدنيا والآخرة ويخص المؤمنين، وبعبارة أخرى: الرحمن يختص بالإفاضة التكوينية التي يعم المؤمن والكافر، والرحيم يعم التكوين والتشريع الذي بابه باب الهداية والسعادة، ويختص بالمؤمنين لأن الثبات والبقاء يختص بالنعم التي تفاض عليهم والعاقبة للتقوى.
وفي كشف الغمة، عن الصادق (عليه السلام) قال: فقد لأبي (عليه السلام) بغلة فقال لئن ردها الله علي لأحمدنه بمحامد يرضيها فما لبث أن أتي بها بسرجها ولجامها فلما استوى وضم إليه ثيابه رفع رأسه إلى السماء وقال الحمد لله ولم يزد، ثم قال ما تركت ولا أبقيت شيئا جعلت أنواع المحامد لله عز وجل، فما من حمد إلا وهو داخل فيها.
قلت: وفي العيون، عن علي (عليه السلام): أنه سئل عن تفسيرها فقال: هو أن الله عرف عباده بعض نعمه عليهم جملا إذ لا يقدرون على معرفة جميعها بالتفصيل لأنها أكثر من أن تحصى أو تعرف، فقال: قولوا الحمد لله على ما أنعم به علينا.
أقول: يشير (عليه السلام) إلى ما مر من أن الحمد، من العبد وإنما ذكره الله بالنيابة تأديبا وتعليما.
بحث فلسفي
البراهين العقلية ناهضة على أن استقلال المعلول وكل شأن من شئونه إنما هو بالعلة، وأن كل ما له من كمال فهو من أظلال وجود علته، فلو كان للحسن والجمال حقيقة في الوجود فكماله واستقلاله للواجب تعالى لأنه العلة التي ينتهي إليه جميع العلل، والثناء والحمد هو إظهار موجود ما بوجوده كمال موجود آخر وهو لا محالة علته وإذا كان كل كمال ينتهي إليه تعالى فحقيقة كل ثناء وحمد تعود وتنتهي إليه تعالى، فالحمد لله رب العالمين.
قوله تعالى: إياك نعبد وإياك نستعين الآية، العبد هو المملوك من الإنسان أو من كل ذي شعور بتجريد المعنى كما يعطيه قوله تعالى: "إن كل من في السموات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا": مريم - 93.
والعبادة مأخوذة منه وربما تفرقت اشتقاقاتها أو المعاني المستعملة هي فيها لاختلاف الموارد، وما ذكره الجوهري في الصحاح أن أصل العبودية الخضوع فهو من باب الأخذ بلازم المعنى وإلا فالخضوع متعد باللام والعبادة متعدية بنفسها.
وبالجملة فكان العبادة هي نصب العبد نفسه في مقام المملوكية لربه ولذلك كانت العبادة منافية للاستكبار وغير منافية للاشتراك فمن الجائز أن يشترك أزيد من الواحد في ملك رقبة أو في عبادة عبد، قال تعالى: "إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين": غافر - 60.
وقال تعالى: "ولا يشرك بعبادة ربه أحدا": الكهف - 110 فعد الإشراك ممكنا ولذلك نهى عنه، والنهي لا يمكن إلا عن ممكن مقدور بخلاف الاستكبار عن العبادة فإنه لا يجامعها.
والعبودية إنما يستقيم بين العبيد ومواليهم فيما يملكه الموالي منهم، وأما ما لا يتعلق به الملك من شئون وجود العبد ككونه ابن فلان أو ذا طول في قامته فلا يتعلق به عبادة ولا عبودية، لكن الله سبحانه في ملكه لعباده على خلاف هذا النعت فلا ملكه يشوبه ملك ممن سواه ولا أن العبد يتبعض في نسبته إليه تعالى فيكون شيء منه مملوكا وشيء، آخر غير مملوك، ولا تصرف من التصرفات فيه جائز وتصرف آخر غير جائز كما أن العبيد فيما بيننا شيء منهم مملوك وهو أفعالهم الاختيارية وشيء غير مملوك وهو الأوصاف الاضطرارية، وبعض التصرفات فيهم جائز كالاستفادة من فعلهم وبعضها غير جائز كقتلهم من غير جرم مثلا، فهو تعالى مالك على الإطلاق من غير شرط ولا قيد وغيره مملوك على الإطلاق من غير شرط ولا قيد فهناك حصر من جهتين، الرب مقصور في المالكية، والعبد مقصور في العبودية، وهذه هي التي يدل عليه قوله: إياك نعبد.
حيث قدم المفعول وأطلقت العبادة.
ثم إن الملك حيث كان مقتوم الوجود بمالكه كما عرفت مما مر، فلا يكون حاجبا عن مالكه ولا يحجب عنه، فإنك إذا نظرت إلى دار زيد فإن نظرت إليها من جهة أنها دار أمكنك أن تغفل عن، زيد وإن نظرت إليها بما أنها ملك زيد لم يمكنك الغفلة عن مالكها وهو زيد.
Sayfa 12