Tafsir and the Exegetes
التفسير والمفسرون
Yayıncı
مكتبة وهبة
Yayın Yeri
القاهرة
Türler
أمثال على ألسنة البهائم والجمادات، وتصور مقاولة الشحم محال ولكن الغرض أن السمن فى الحيوان مما يحسن قبيحه، كما أن العجف مما يقبح حسنه، فصوَّر أثر السمن فيه تصويرًا هو أوقع فى نفس السامع، وهى به آنس، وله أقبل وعلى حقيقته أوقف، وكذلك تصوير عظم الأمانة، وصعوبة أمرها، وثقل محملها، والوفاء بها.
وهنا تقوم أمام الزمخشرى صعوبات ومشاكل يصوِّرها لنا فى سؤاله: "فإن قلت: قد عُلِمَ وجه التمثيل فى قولهم للذى لا يثبت على رأى واحد: أراك تُقَدِّم رِجْلًا وتُؤَخِّر أخرى، لأنه مُثِّلَت حاله فى تميله وترجحه بين الرأيين، وتركه المضى على أحدهما، بحال مَن يتردد فى ذهابه فلا يجمع رجليه للمضى فى وجهة، وكل واحد من الممثل والممثَّل به شئ مستقيم داخل تحت الصحة والمعرفة، وليس كذلك ما فى هذه الآية، فإن عرض الأمانة على الجماد وإباءه وإشفاقه محال فى نفسه غير مستقيم، فكيف صحّ بناء التمثيل على المحال؟ وما مثال هذا إلا أن تُشبِّه شيئًا والمشبَّه به غير معقول".
ولكن الزمخشرى لا يقف طويلًا أمام هذه الصعوبات، بل نراه يتخلص منها بكل دقة وبراعة حيث يقول: "قلت الممثَّل به فى الآية، وفى قولهم: لو قيل للشحم أين تذهب، وفى نظائره، مفروض، والمفروضات تتخيل فى الذهن كما المحققات مثلت حال التكليف فى صعوبته وثقل محمله، بحاله المفروضة لو عُرِضت على السماوات والأرض والجبال لأبين أن يحملنها وأشفقن منها".
ثم إن هذه الطريقة التى يعتمد عليها الزمخشرى فى تفسيره - أعنى طريقة الفروض المجازية، وحمل الكلام الذى يبدو غريبًا فى ظاهره على أنه من قبيل التعبيرات التمثيلية أو التخييلية - قد أثارت حفيظة خصمه السُّنِّى ابن المنير الإسكندرى عليه، فاتهمه بأشنع التهم فى كثير من المواضع التى تحمل هذا الطابع، ونسبه فيها إلى قِلَّة الأدب وعدم الذوق.
فمثلًا عندما يعرض الزمخشرى لقوله تعالى فى الآية [٢١] من سورة الحشر: ﴿لَوْ أَنزَلْنَا هاذا القرآن على جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ الله وَتِلْكَ الأمثال نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ .. نراه يقول: "هذا تمثيل وتخييل كما مَرَّ فى قوله تعالى: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الأمانة﴾ وقد دلَّ عليه قوله: ﴿وَتِلْكَ الأمثال نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ﴾ .. والغرض توبيخ الإنسان على قسوة قلبه وقِلَّة تخشعه، عند تلاوة القرآن وتدبر قوارعه وزواجره".
ولكن هذا قد أغضب ابن المنير على الزمخشرى فقال معقبًا عليه: "وهذا مما تقدَّم
1 / 317