وتَعود على مَذهَب الماتُريدية إلى الخَلْق؛ لأن الماتُريدية يُثبِتون الخَلْق والتَّكوين بخِلاف الأشاعِرة.
فلنَنظُرِ الآنَ: فعلَى كلام المفَسِّر تَكُون ﴿شَدِيدِ﴾ بمَعنى مُشدِّد، ولنا أن نُطالِب فنَقول: هل "فَعيل" تأتي بمَعنى "مُفعِل"؟ الجوابُ: نعَمْ، تَأتي "فعيل" بمَعنى مُفعِل كقول الشاعِر:
أَمِنْ رَيْحَانَةَ الدَّاعِي السَّمِيعُ ... يُؤَرِّقُيي وَأَصْحَابِي هُجُوعُ (^١)
"السَّميع" هنا بمَعنى المُسمِع، "الداعِي" الذي يُسمِعه، "يُؤرِّقُني" فلا أَنام، "وأَصحابي هُجوع" نائِمون.
فمن حيثُ اللَّفْظ لا اعتِراضَ على المفَسِّر؛ أي: من حيثُ جَعْله (فعيل) بمَعنَى (مُفعِل) لا اعتِراضَ عليه؛ لأن ذلك وارِد في اللغة العرَبية، لكن من حيثُ المَعنَى فيه نظَر؛ لأن ظاهِر قوله: ﴿شَدِيدِ الْعِقَابِ﴾، أنه هو نَفسُه عِقابُه شديد، وهو كذلك، فإذا كان العِقاب شَديدًا لزِمَ أن يَكون الأَلَمُ -ألَمُ مَن عُوقِب- شديدًا أيضًا، والعِقاب مَأخوذ من المُعاقَبة، وهي المُجازاة، وسُمِّيَت المُجازاة عِقابًا؛ لأنها تَعقُب العمَل، لكنها تُذكَر غالِبًا فيما يَسوء لا فيما يَسُرُّ.
قَالَ اللهُ ﷿: ﴿ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ﴾ [غافر: ٣].
قوله: ﴿ذِي﴾ بمَعنَى صاحِب، وهي مَجرورة بالياء نِيابةً عن الكَسرة؛ لأنَّها من الأسماء الخَمسة.