لما ذكر المحاورة بين المُسْتَضْعَفينَ والمُسْتَكْبرينَ.
ثم قال الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ﴾ هذه الجملة مُؤَكَّدَة بـ (إنَّ).
وقوله: ﴿لَا يَهْدِي﴾ المراد بذلك: هدايةُ التَّوْفيق، وأما هدايَةُ الدلالة فإنها حُجَّةُ الله على خَلْقِه، لا بدَّ أن تنالَ كلَّ أحد؛ كما قال الله تعالى: ﴿وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى﴾ [فصلت: ١٧]؛ (هديناهم) هداية دَلالة.
إذن: إنَّ الله لا يَهدي هدايةَ توفيقٍ، لا هداية دَلالة؛ بل هداية الدلالة ثابِتَةٌ لكُلِّ أحَدٍ.
قوله تعالى: ﴿لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ﴾: ﴿مَنْ هُوَ﴾ أي الذي هو ﴿كَاذِبٌ﴾.
قال المُفَسِّر ﵀: [في نِسْبَةِ الوَلَدِ إليه]، والذين نسبوا الولد إليه هم اليهود والنصارى والمُشْرِكون؛ ثلاثة: أما اليهود فقالت: عُزَيرٌ ابْنُ الله، وأما النصارى فقالوا: المسيحُ ابنُ الله، وأما المشركون فقالوا: الملائِكَةُ بناتُ الله والآية كما يُشاهَد: ﴿مَنْ هُوَ كَاذِبٌ﴾ عامَّة، لكن كأنَّ المُفَسِّر خصَّصها بنِسْبَة الولد إلى الله؛ لقوله فيما بعد: ﴿لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لَاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ﴾ [الزمر: ٤]؛ وإلا فلو نظرنا إلى الآية: ﴿كَاذِبٌ﴾ لكانت مُطْلَقَة لم تقيَّد بنِسْبَة الوَلَدِ إلى الله ﷿، لكن المُفَسِّر قيَّدَها باعتبار أو بِقَرينَة السِّياق: ﴿كَفَّارٌ﴾، ﴿كَفَّارٌ﴾ هذه يُحتَمَل أن تكون صيغة مبالغَة، ويحتمل أن تكون للنِّسْبة فإن كانت للنِّسبة صارت صفةً لازِمَة؛ كما نقول: نجَّار وحدَّاد وخشَّاب وبنَّاء، وما أشبه ذلك، وإن كانت صيغة مبالغة لم تكن صفةً لازِمَة لكنها تدل على الكَثْرة.