Tafsir al-Uthaymeen: As-Saffat
تفسير العثيمين: الصافات
Yayıncı
دار الثريا للنشر والتوزيع
Baskı Numarası
الأولى
Yayın Yılı
١٤٢٤ هـ - ٢٠٠٣ م
Yayın Yeri
الرياض - المملكة العربية السعودية
Türler
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
المقدمة
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فإن من توفيق الله ﷾ أن يسَّر لفضيلة شيخنا -تغمده الله بواسع رحمته ورضوانه- تفسير سورة "الصافات" في دروسه العلمية التي كان يعقدها رحمه الله تعالى بالجامع الكبير في مدينة عنيزة.
وقد عهدت مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الخيرية إلى فضيلة الشيخ فهد بن ناصر بن إبراهيم السليمان، أثابه الله، بالعمل لإعداد هذا الكتاب للنشر، فجزاه الله خيرًا.
نسأل الله تعالى أن يجعل هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم، موافقا لمرضاته، نافعًا لعباده، وأن يجزي فضيلة شيخنا عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء، ويضاعف له المثوبة والأجر، ويعلي درجته في المهديين، إنه سميع قريب.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللجنة العلمية
في مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الخيرية
1 / 3
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تفسير سورة الصافات
قال المؤلف -رحمه الله تعالى- (^١):
[سورة الصافات مكية، وآياتها ١٨٢].
المكية هي التي نزلت قبل الهجرة، فكل ما نزل قبل الهجرة فهو مكي، وإن نزل في غير مكة.
وكل ما نزل بعد الهجرة فهو مدني وإن نزل في مكة.
وعليه، فإن قوله تعالى: ﴿الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا﴾ [المائدة: ٥]. التي نزلت على النبي ﷺ وهو واقف في عرفة، من المدني، هذا أصح الأقوال في المكي والمدني. أن ما نزل بعد الهجرة مدني، وما نزل قبلها مكي.
أما البسملة ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ فإنها آية من كتاب الله مستقلة، ولهذا لا تحسب من آيات السورة التي بعدها، حتى في الفاتحة على القول الراجح: إنها ليست من السورة. وعلى هذا فالترقيم الموجود في المصاحف على خلاف القول الراجح، فإن الترقيم الموجود في المصاحف في الفاتحة عدت فيه البسملة آية من آياتها، والصحيح أنها كغيرها من السور
_________
(^١) أخي الكريم إذا مر بك: قال المؤلف. فالمراد به جلال الدين أبو عبد الله محمد بن محمد بن أحمد بن محمد المحلي -رحمه الله تعالى- المتوفى سنة ٨٦٤ هـ في تفسيره المسمى (تفسير الجلالين) حيث كان فضيلة الشيخ ﵀ يعلق على ما تيسر منه وقد جعلت كلامه ﵀ بين معكوفتين هكذا: [. .].
1 / 5
أن البسملة فيها آية مستقلة لا تحسب من آياتها. وهي مذكورة قبل كل سورة إلا سورة براءة، فإن سورة براءة لم يتقدمها بسملة، قيل: لأنها نزلت بالسيف، والبسملة رحمة فلا يناسب أن يذكر قبلها بسملة.
ولكن هذا ليس بصحيح، بل الصحيح أن الصحابة ﵃ لما كتبوا المصحف أشكل عليهم: هل براءة من الأنفال أو ليست من الأنفال، فتركوا البسملة ووضعوا خطًّا فاصلًا بينها وبين سورة الأنفال دون أن يضعوا البسملة.
ونحن نعلم أن البسملة لو نزلت قبل سورة براءة لثبتت؛ لأن الله يقول: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (٩)﴾ [الحجر: ٩]. فيكون اجتهاد الصحابة ﵃ في ذلك مطابقًا للواقع، أي مطابقًا لكونها لم تنزل في أول هذه السورة.
أما من حيث معناها فإن قول القائل: بسم الله. يعني بكل اسم من أسماء الله، وإنما قلنا: بكل اسم من أسماء الله؛ لأن اسم مفرد مضاف فيكون للعموم، فليس قول القائل: بسم الله. يعني اسمًا واحدًا من أسماء الله، بل يعني جميع أسماء الله، وهذا يدلك على عظمة هذه البسملة، أنك تبتدئ متبركًا ومستعينًا بكل اسم من أسماء الله ﷿.
والباء فيها للمصاحبة والاستعانة، للمصاحبة من أجل حصول بركتها: فإن البسملة فيها بركة، ولذلك إذا ذُكِرت على الذبيحة صارت الذبيحة حلالًا طاهرة، وإذا لم تُذكر صارت حرامًا نجسة. إذا ذُكرت قبل الوضوء صار الوضوء صحيحًا. وإذا لم
1 / 6
تُذكر صار الوضوء فاسدًا، على قول من يرى أن البسملة من شروط الوضوء، أو من واجبات الوضوء، ولكن القول الراجح في البسملة في الوضوء أنها سنة، لقول الإمام أحمد ﵀: لا يثبت في هذا الباب -أي في باب التسمية في الوضوء- شيء.
إذا ذكرت على الطعام طردت الشيطان عنه، وإن لم تذكر فإن الشيطان يشارك الآكل والشارب.
فالمهم أنها بركة، ولهذا نقول: الباء للمصاحبة أي: أن المبسمل يصطحب في بسملته البركة.
والاستعانة، لأنها تعين الإنسان على مهماته.
وأما (الله) فهو العلم الخاص بالله ﷾، لا يسمى به غير الله ومعناها: ذو الألوهية والعبودية على خلقه أجمعين. أي أن إله بمعنى مألوه، أي معبود.
فإذا قال قائل: أين الهمزة في الله؟
فالجواب: أنها حذفت للتخفيف؛ لكثرة الاستعمال. كما حذفت من ناس، وأصلها أُناس. وحذفت من شر وخير، وأصلها أشر وأخير.
أما (الرحمن) فهو اسم من أسماء الله، و(الرحيم) كذلك اسم من أسمائه. والفرق بينهما أن الرحمن باعتبار الوصف، والرحيم باعتبار الفعل، ولهذا جاءت الرحمن بهذه الصيغة الدالة على السعة، فرحمة الله واسعة شاملة لكل شيء، وأما (الرحيم) فهو الموصول رحمته إلى خلقه.
وتقسم الرحمة باعتبار اسم (الرحيم) إلى قسمين:
1 / 7
عامة وخاصة.
أما (الرحمن) باعتبار الوصف فهو عام؛ لأنه ذو رحمة واسعة، كما قال تعالى: ﴿فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ﴾ [الأنعام: ١٤٧] هذه البسملة مشتملة على جار ومجرور، والجار والمجرور معمول لابد له من عامل، وهو المسمى بالمتعلق، فيقال مثلًا: الجار والمجرور متعلق بكذا، فأين متعلَّق البسملة؟ قال أهل العلم: متعلق البسملة فعل مقدر، متأخر، موافق للمبدوء به في مادته.
فإذا كنت تريد أن تتوضأ كان تقدير هذا المحذوف: باسم الله أتوضأ، وإذا كنت تريد أن تقرأ كان تقديره: باسم الله أقرأ، وعلى هذا فقس، قال النبي ﷺ: "ومن لم يذبح فليذبح باسم الله" (^١) فقدر الفعل يعني ليقول: ذبحت باسم الله.
لماذا قدر فعلًا؟ لأنه الأصل في العمل. ولهذا كانت الأفعال تعمل بدون شرط. والأسماء لا تعمل إلا بشروط، كاسم الفاعل، واسم المفعول، والصفة المشبهة وغير ذلك.
وقدر متأخرًا لوجهين:
الوجه الأول: تيمنًا بالبداءة باسم الله.
والوجه الثاني: من أجل الاختصاص، لأن تأخير العامل عن المعمول يفيد الاختصاص والحصر.
وقدر موافقًا للمبدوء به في مادته، لأنه أخص وأدل على
_________
(^١) أخرجه البخاري، كتاب الأيمان والنذور، باب إذا حنث ناسيًا في الأيمان (رقم ٦٦٧٤)، ومسلم في كتاب الأضاحي، باب وقتها (رقم ١٩٦٠) (١ - ٣).
1 / 8
المقصود، فأنت إذا أردت أن تتوضأ وقلت: باسم الله أتوضأ، كان أخص مما لو قدرت باسم الله أبتدئ.
قال الله ﷿: ﴿وَالصَّافَّاتِ صَفًّا (١) فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا (٢)﴾ الواو هنا للقسم، والقسم تأكيد الشيء بذكر معظم بصيغة مخصوصة.
فقولنا: "تأكيد الشيء" هذه هي فائدة القسم، أنه يفيد التوكيد بذكر معظم، كأن المقسم يقول: إنني أؤكد هذا، كما أؤكد عظمة المحلوف به، ولا يمكن أن أحلف بهذا العظيم عندي إلا على أمر مؤكد.
وقولنا: "بصيغة مخصوصة" هي صيغة القسم، وحروف القسم ثلاثة: الواو، والباء، والتاء.
فالواو: أكثرها استعمالًا. والباء أكثرها صيغة، يعني أن الباء يُحلَف بها مع وجود الفعل وحذفه، وتدخل على الظاهر وعلى المضمر. والتاء أخص من الواو.
فإذًا أعم حروف القسم بالنسبة للاستعمال الباء؛ لأنها تستعمل مع وجود الفعل فتقول: أحلف بالله لتفعلنَّ كذا. ومع حذفه فتقول: بالله لتفعلنَّ كذا.
وتستعمل أيضًا مع الاسم الظاهر مثل: أحلف بالله.
ومع الاسم المضمر مثل: إن الله -وبه أحلف- لعلى كل شيء قدير، فهنا دخلت الباء على الضمير.
أما الواو فهي أكثرها استعمالًا، لكنها لا تدخل إلا على الظاهر، ولا يذكر معها فعل القسم.
1 / 9
التاء هي أقلها استعمالًا وتختص بالظاهر، وتختص أيضًا بأسماء معينة، وهي: الله ورب، قال ابن مالك: والتاء لله ورب. فتقول: تالله لأفعلنَّ كذا، وتقول: ترب الكعبة لأفعلنَّ كذا، أو تالرب لأفعلنَّ كذا، ولا يذكر معها فعل القسم، فهي أضيقها استعمالًا.
﴿وَالصَّافَّاتِ صَفًّا (١)﴾ الصافات اسم مجرور بواو القسم؛ لأن حروف القسم تجر. والصافات لها معنى ولها مراد، فما دل عليه اللفظ باعتبار اللغة فهو معنى، وما كان مرادًا للمتكلم فهو المراد.
والمعنى في الصافات يعني الأشياء القائمات على خط واحد مستقيم، فكل شيء متعدد يقوم على خط واحد مستقيم يسمى صافًّا، ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ﴾ [الصف: ٤] يعني على خط مستقيم. هذا المعنى للصافات.
لكن ما المراد به؟ قال المؤلف: [الملائكة]، وأُنِّثت باعتبارها جماعات. وجماعات مؤنث.
وقد أخذ الزائغون بهذا الاشتباه أي تأنيث الملائكة، وقالوا: إن الملائكة بنات الله، ولهذا تذكر بصيغة التأنيث، ولكن لا شك أن هذا من باب التلبيس والتشبيه. فإن الله تعالى ذكر الملائكة بصيغة المذكر ﴿وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ﴾ [الشورى: ٥] ولم يقل: يسبحن بحمد ربهن، وعلى كل حال أنثت الملائكة باعتبارها جماعات؛ لأن الملائكة -عليهم الصلاة والسلام- جماعات مختلفة، كل جماعة لها وظيفة معينة، فمنها من وظيفتهم العبادة الخاصة لله من التسبيح والركوع
1 / 10
والسجود وغير ذلك. ومنهم ملائكة موكلون بحفظ بني آدم، وملائكة موكلون بحفظ أعمالهم وكتابتها، وملائكة موكلون بأشياء أخرى، منها ما نعلم ومنها ما لا نعلم.
فإذا قال قائل: من الملائكة؟
فالجواب: أنهم عالم غيبي خلقوا من نور، واستعبدهم الله ﷾ في طاعته، فقاموا بها على أتم وجه، لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون.
فإن قال قائل: هذا التعريف يرد عليه أن الملائكة قد تُرى، فإن النبي ﷺ رأى جبريل على صورته التي خلق عليها، وله ستمائة جناح قد سد الأفق (^١)، وأحيانًا يأتي جبريل بصورة بشر؟
فالجواب: أن هذا على سبيل الندرة، وما كان نادرًا فإنه لا يخرم القاعدة، أو لا يبطل التعريف. والنادر كما يقول العلماء: ليس له حكم.
ما وجه كون الملائكة توصف بالصافات؟
قال المؤلف:
١ - [تصف نفوسها في العبادة، أو أجنحتها في الهواء، تنتظر ما تؤمر به]. هذا الصافات، وصفت بها الملائكة؛ لأنها تصف أنفسها للعبادة، يعني تهيئها لها.
٢ - أو يصفون عند الله ﷿ كما قال تعالى: ﴿وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ (١٦٥) وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ (١٦٦)﴾ [الصافات: ١٦٥ - ١٦٦].
_________
(^١) أخرجه البخاري، كتاب بدء الخلق، باب إذا قال أحدكم آمين (٣٢٣٢)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب في ذكر سدرة المنتهى (١٧٤).
1 / 11
٣ - أو تصف أجنحتها في الهواء تنتظر ما تؤمر به، كما قال الله تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ﴾. [الملك: ١٩]
فالطير إذا كان في الهواء وقد وضع أجنحته هكذا، لا تتحرك. يقال: إنه صاف.
فإذا قال قائل: (أو) في قول المؤلف هنا للتنويع أو للشك أو ماذا؟
يحتمل أن هذه للتنويع، يعني أنها تصف هكذا وهكذا. أو أنها للشك للتردد بين قولين قال بهما المفسرون.
ولكن المعنى الأول أحسن؛ لأن هذا وصف للملائكة، فهي تصف أنفسها للعبادة، وكذلك تصف أجنحتها في الهواء تنتظر ما تؤمر به.
﴿فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا (٢)﴾ قال المؤلف ﵀: [الملائكة تزجر السحاب، أي تسوقه].
إذًا فالموصوف شيء واحد، فالصافات هُنَّ الزاجرات، وقوله: [تزجر السحاب (أي تسوقه) لعل هذا على سبيل المثال من زجر الملائكة؛ لأن الملائكة تزجر السحاب أي تسوقه، وكذلك تزجر الميت الكافر عند موته، تزجر نفسه لتخرج، تقول: اخرجي أيتها النفس الخبيثة. وكذلك لعلها تزجر أشياء أخرى لا نعلمها.
المهم أن المراد بالزاجرات الملائكة. وكيف كانت زاجرة؟ نقول: لهذا عدة أوجه منها: زجر السحاب، وزجر النفوس الكافرة عند الموت، وغير ذلك مما يأمرها الله به أن تزجره.
1 / 12
﴿فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا (٣)﴾ [أي قُرَّاء القرآن يتلونه ﴿ذِكْرًا (٣)﴾ مصدر من معنى التاليات]، قوله: ﴿فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا (٣)﴾ عدل المؤلف بهذا الوصف عن الموصوف الأول فقال: [قراء القرآن يتلونه] أي النفوس التاليات، ولو قيل: إن المراد بها الملائكة أيضًا، لأن الملائكة تتلوا القرآن، كما قال تعالى: ﴿كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ (١١) فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (١٢) فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (١٣) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (١٤) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (١٥) كِرَامٍ بَرَرَةٍ (١٦)﴾ [عبس: ١١ - ١٦] فالملائكة تتلوا القرآن، فيمكن أن نجعل هذه الأوصاف الثلاثة كلها للملائكة.
والمؤلف ﵀ أعرب ﴿ذِكْرًا (٣)﴾ على أنها مصدر من معنى التاليات. فاستفدنا من هذا فائدة نحوية، وهي أن المصدر قد يكون من اللفظ، وقد يكون من المعنى، فإن كان من اللفظ، فهو مصدر لفظي، وإذا كان من المعنى فهو مصدر معنوي، فإذا قلت: قعدت جلوسًا، فجلوسًا مصدر معنوي. قعدت قعودًا مصدر لفظي، يقول المؤلف: [ذكرًا مصدر من معنى التاليات]، يعني الذاكرات ذكرًا، فالتاليات عنده بمعنى الذاكرات، وذكرًا مصدر لها من معناها، ولكن الذي يظهر خلاف كلام المؤلف ﵀ وأن ﴿ذِكْرًا (٣)﴾ مفعول للتاليات؛ لأن التاليات اسم فاعل قد استوفى شروط العمل لكونه محلى بأل، وذكرًا مفعول به، أي فاللاتي يتلين الذكر، والمراد بالذكر: القرآن وسمي ذكرًا:
١ - لأنه ذكر لله ﷿ فإنه من أفضل الذكر.
٢ - ولأنه يذكر الإنسان بربه.
1 / 13
٣ - ولأنه يذكر الإنسان بأحكام ربه.
٤ - ولأنه يذكر الإنسان بنعم ربه.
٥ - ولأنه ذكر لمن عمل به أي شرف ورفعة، كما قال تعالى: ﴿وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ﴾. [الزخرف: ٤٤].
٦ - ولأنه يعظ صاحبه ويذكره، كما قال تعالى: ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (٢٩)﴾. [ص: ٢٩] فالقرآن ذكر من هذه الوجوه
الفوائد:
١ - في الآيات الثلاث يقسم الله ﷿ بالملائكة باعتبار صفاتها: صافات، وزاجرات، وتاليات؛ لأن كل صفة منها تدل على عظمة الخالق ﷿.
٢ - ومنها: فضيلة الملائكة في أحوالهم الثلاث: الصف، والزجر، والتلو؛ لأنه لا يحلف إلا بما كان أهلًا لأن يحلف به.
فإذا قال قائل: كيف حلف الله ﷿ بالمخلوق؟ لأن الملائكة مخلوقات مع أن الحلف بالمخلوق شرك.
فالجواب على ذلك: أن الله ﷾ له أن يحلف بما شاء من خلقه، لأنه المالك كما أنه ﷾ يأمر بما شاء، أرأيت أمر الله تعالى الملائكة أن تسجد لآدم والسجود لغير الله شرك، لكن الله يأمر بما شاء، أرأيت أمره إبراهيم الخليل ﵊ أن يذبح ابنه وذبح ابنه من أعظم الكبائر وصار بأمر الله طاعة لله ﷿ كذلك الحلف بغير الله شرك،
1 / 14
ولكن مع هذا لله أن يحلف بما شاء من خلقه. ولكن يجب أن نعلم أن لله لا يحلف بشيء من خلقه إلا كان هذا الشيء من أعظم آياته، فيكون الحلف بهذا المخلوق متضمنًا للحلف بآيات الله ﷿ التي هي فعله، لأن عظم المخلوق يدل على عظم الخالق.
٣ - ومن فوائدها: أن من صفات الملائكة الصف، قال الله تعالى: ﴿وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ (١٦٥)﴾ [الصافات ١٦٥] وقال النبي ﵊: "ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها" (^١).
٣ - ومن فوائدها: أن الملائكة موكلة بالتصرف: بالزجر كزجر السحاب وزجر الكفار عند احتضارهم لقوله: ﴿فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا (٢)﴾.
٤ - ومن فوائدها: أن الملائكة تتلوا الذكر أي تتلوا القرآن، وهذا يدل على قيام الملائكة بعبادة الله، وعلى فضيلة القرآن حيث تتلوه الملائكة، لقوله تعالى: ﴿فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا (٣)﴾.
* * *
﴿إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ (٤)﴾ الجملة هذه جواب القسم، ولذلك كسرت إنَّ هنا لوقوعها في جواب القسم؛ ولأنه اقترن خبرها باللام.
وإذا وقعت إنَّ جوابًا للقسم وجب كسرها، وإذا اقترن خبرها باللام، أو اسمها المؤخر، أو معمول أحدهما باللام وجب كسرها.
﴿إِنَّ إِلَهَكُمْ﴾ الخطاب يقول المؤلف: [يا أهل مكة]،
_________
(^١) أخرجه مسلم، كتاب الصلاة، باب الأمر بالسكون في الصلاة والنهي عن الإشارة باليد ... (٤٣٠).
1 / 15
ولكن الصحيح أنه عام يشمل كل من خوطب، ولكن الذي أوجب المؤلف أن يجعله خاصًّا بأهل مكة؛ لأن هذه الآية مكية والمشركون هم أهل مكة.
ولكن لا ينبغي أن يقيد المعنى العام بمكان نزوله، وإذا كانت العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص المكان.
فالصواب ﴿إِنَّ إِلَهَكُمْ﴾ يعني أيها الناس ﴿لَوَاحِدٌ (٤)﴾ يعني لا شريك له، والواحد والأحد وما أشبههما تدل على الانفراد، أي أنه ﷿ لا شريك له، ﴿إِلَهَكُمْ﴾ فِعال بمعنى مفعول، أي مألوهكم، والمألوه هو الذي يعبد محبة وتعظيمًا، فبمحبته يقوم الإنسان بفعل الأوامر، وبتعظيمه ينتهي عن النواهي، إذًا إن معبودكم أيها الناس لواحد لا شريك له، فالله ﷿ لا شريك له في ربوبيته، ولا شريك له في ألوهيته، ولا شريك له في أسمائه وصفاته، دليل الربوبية قوله تعالى: ﴿قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (٨٦) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ﴾ [المؤمنون: ٨٦ - ٨٧] وقوله تعالى: ﴿قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ﴾ [الرعد: ١٦] ودليل الألوهية قوله تعالى: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ﴾. [محمد: ١٩].
ودليل الأسماء والصفات قوله تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (١١)﴾ [الشورى: ١١]. فالله تعالى واحد في ألوهيته وربوبيته وأسمائه وصفاته، ﷾.
ويرد على هذا أن للمشركين آلهة متعددة؟
والجواب: أن نقول: نعم لهم آلهة لكنها آلهة باطلة،
1 / 16
والدليل على أنها باطلة قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ﴾ [لقمان: ٣٠] وقوله ﷾: ﴿إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ﴾. [النجم: ٢٣].
ثم قال: ﴿رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ (رب) إما أن تكون عطف بيان، أو خبر مبتدأ محذوف، والتقدير هو رب السماوات والأرض.
ورب بمعنى خالق، ومالك، ومدبر، فهو الذي خلق السماوات والأرض، وهو الذي يملك السماوات والأرض، وهو المدبر للسماوات والأرض.
قال تعالى: ﴿أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ﴾ [الأعراف: ٥٤] وهذا انفراده بالخلق والتدبير، وقال تعالى: ﴿وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ [الجاثية: ٢٧] وهذا انفراده بالملك.
والسماوات جمع سماء وهي معروفة، وعددها سبع سماوات بنص القرآن. قال تعالى: ﴿قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (٨٦)﴾. [المؤمنون: ٨٦] وقال سبحانه: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ﴾. [الطلاق: ١٢]
الأرض كذلك سبع لظاهر القرآن وصريح السنة:
أما ظاهر القرآن ففي قوله تعالى: ﴿وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ﴾، [الطلاق: ١٢] فالمثلية هنا بالعدد؛ لأنه لا يمكن أن تكون الأرض مثل السماء في ذاتها ولا في سعتها وعظمتها، فالسماء أوسع وأعظم، ومادتها غير مادة الأرض؛ ولهذا يصف الله تعالى السماء بالقوة: ﴿وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا (١٢)﴾. [النبأ: ١٢] ﴿وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ
1 / 17
سَقْفًا مَحْفُوظًا﴾. [الأنبياء: ٣٢] ﴿وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ﴾ [الذاريات: ٤٧] ولم يرد ذلك في الأرض. إذًا يتعين أن تكون مماثلة في العدد.
أما السنة فصريحة مثل قوله ﷺ: "من اقتطع شبرًا من الأرض طوقه الله يوم القيامة من سبع أرضين" (^١).
﴿وَمَا بَيْنَهُمَا﴾ يعني ورب ما بينهما، ولا شك أن الذي بينهما مخلوقات عظيمة بدليل أنها جعلت قسيمة وعديلة للسماوات والأرض. فلابد أن تكون شيئًا عظيمًا، ليس هي مجرد ما نرى من السحاب المسخر بين السماء والأرض، بل هناك أشياء عظيمة بين السماء والأرض من آيات الله ﷿. نعرف منها السحاب فإنه بين السماء والأرض، والنجوم بين السماء والأرض، والشمس بين السماء والأرض، والقمر بين السماء والأرض، لقوله تعالى: ﴿كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (٣٣)﴾ [الأنبياء: ٣٣] وما اشتهر عن علماء الفلك سابقًا من أن الشمس في السماء الرابعة، والقمر في السماء الدنيا، وعطارد وزحل والمشتري في السماوات الأخرى، وهي على هذا الترتيب.
زحل شرى مريخه من شمسه ... فتزاهرت بعطارد الأقمار
أعلاها زحل في السماء السابعة، (شرى) المشتري في السادسة، (مريخه) المريخ في السماء الخامسة، (من شمسه) الشمس في الرابعة، (فتزاهرت) الزهرة في الثالثة، بعطارد في
_________
(^١) أخرجه البخاري في كتاب المظالم، باب إثم من ظلم شيئًا من الأرض (رقم ٢٤٥٢، ٢٤٥٣)، ومسلم في كتاب المساقاة، باب تحريم الظلم وغصب الأرض وغيرها (رقم ١٦١٠) (١٣٧) واللفظ لمسلم.
1 / 18
الثانية، الأقمار في السماء الدنيا.
هذا هو المشهور عند علماء الفلك سابقًا، ولكن هذا خلاف الصواب؛ لأن ظاهر النصوص أن الشمس والقمر والنجوم كلها دون السماء، ليست ملصقة في السماوات، بل هي في فلك يدور بين السماء والأرض، والقمر هو أقربها إلى الأرض بدليل أنه يكسف ما فوقه كما شاهدناه وشاهده غيرنا، أحيانًا تجده يمر من تحت النجمة فتغيب به، وهذا يدل على أنه تحت النجوم، على كل حال نقول: ما بين السماوات السبع السحاب والشمس والقمر والنجوم والكواكب وغيرها من أمور لا نعلمها، قد لا نعلم هذه الأمور، ويمكن أن العلم فيما بعد يطلعنا على شيء كثير منها.
﴿وَرَبُّ الْمَشَارِقِ (٥)﴾ قال المؤلف ﵀: [أي والمغارب للشمس، لها كل يوم مشرق ومغرب]، فكأنه من باب الاكتفاء بذكر المقابل عن مقابله، نظير قوله تعالى: ﴿وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ﴾ [النحل: ٨١] يعني والبرد، فإن السرابيل التي هي القمص وشبهها تقي الحر والبرد.
والمشارق جمع مشرق، فما المراد بالمشارق؟ هل المراد كما قال المؤلف: مشارق الشمس لأنها كل يوم لها مشرق؟ أو نقول: إن المشارق أعم فتشمل مشارق الشمس، ومشارق القمر، ومشارق النجوم، ومشارق كل ما شرق. أيهما أعم؟ الثاني أعم. فنقول: رب المشارق يعني مشارق الشمس، ومشارق القمر، ومشارق النجوم، ومشارق كل ما يشرق. وذكر الله المشارق دون المغارب، لأن المشارق أدل على القدرة من المغارب، إذ إن
1 / 19
الشروق ابتداء والغروب انتهاء.
وفي الشروق -أيضًا- ولاسيما في شروق الشمس إضاءة ونور يظهر فيه تمامًا كمال النعمة، وقوله ﴿الْمَشَارِقِ﴾ هنا بالجمع، وفي بعض الآيات جاءت بالتثنية، مثل قوله تعالى: ﴿رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ (١٧)﴾ [الرحمن: ١٧] وفي بعض الآيات جاءت بالإفراد كما قال تعالى: ﴿رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا (٩)﴾ [المزمل: ٩] فهل هذا تناقض أم ماذا؟
الجواب: لا، وليس في القرآن شيء من التناقض ﴿وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (٨٢)﴾ [النساء: ٨٢] فالقرآن لا يمكن أن يتناقض بنفسه، ولا أن يتناقض مع صحيح السنة. وانتبه نقول: مع صحيح السنة، لأنه قد تأتي سنة ضعيفة تناقض القرآن، ومناقضتها للقرآن يدل على ضعفها، لكن مع صحيح السنة لا يمكن، فإن وجد شيء ظاهره التعارض فإنه لابد أن يكون هناك وجه لتصحيح التعارض: إما بإمكان الجمع وهو المرتبة الأولى للعمل بالنصوص التي ظاهرها التعارض. وإما بالنسخ إن علم التاريخ وكان النص مما يدخله النسخ. وإما الترجيح يكون أحدهما أرجح من الآخر، ولابد من هذه المراتب الثلاث. لكن أحيانًا قد لا يتسنى للناظر وجه من هذه الوجوه، قد يعجز عن الجمع، وقد لا يعرف النسخ، وقد لا يمكنه الترجيح، فموقفه حينئذ التوقف، وأن يقول: الله أعلم، ولا يجوز أن يعتقد بأي حال من الأحوال أن في القرآن أو صحيح السنة تناقضًا أبدًا، لكن هل له أن يحاول معرفة هذه المراتب، أو إذا أشكل عليه أول
1 / 20
مرة وقف؟ يجب أن يحاول النظر مرة بعد أخرى حتى يتبين، لئلا يقع في نفسه شك فيزيغ والعياذ بالله، فهذه الفائدة جاءت عرضًا، وهي أنه ليس في القرآن تناقض لا في نفسه ولا مع صحيح السنة، فإن وجد شيء ظاهره التناقض والتعارض وجب أن نستعمل المراتب الثلاث.
أولًا: الجمع، فإن لم يمكن فالنسخ، فإن لم يمكن فالترجيح، فإن لم نصل إلى ذلك فالتوقف لكن مع محاولة الوصول إلى مرتبة من هذا المراتب.
فبناءً على هذه القاعدة يمكن أن ننزل الاختلاف الوارد في المشرق والمغرب فنقول: المشرق باعتبار الجهة يعني جهة الشرق، ﴿رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾ [المزمل: ٩] يعني جهة الشرق والمغرب جهة الغرب، بدليل قوله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ﴾ [البقرة: ١١٥]. أي جهة الله على أحد التفسيرين، وأما المشرقين والمغربين فالمراد مشرقا الصيف والشتاء، ومغربا الصيف والشتاء، فالشمس مثلًا لها منتهى في مشرقها صيفًا، وهو مدار السرطان، ولها منتهى في مدارها شتاء وهو مدار الجدي.
فالفرق بين المشرقين فرق كبير، لا يستطيع أحد من المخلوقين أن يحول الشمس من مدار السرطان إلى مدار الجدي ولا شعرة واحدة.
وكذلك نقول بالنسبة للقمر؛ لأنه يدور على هذه المعالم: المشرقين والمغربين.
1 / 21
المشارق والمغارب الجمع فيها واضح، إما باعتبار مشارق، كل ما يشرق ومغارب كل ما يغرب من الشمس والقمر والنجوم والكواكب، وإما أنها المشارق اليومية للشمس، لأن كل يوم لها مشرق، وهذه المرتبة مرتبة الجمع، فالجمع بينها أن نقول: المشارق باعتبار مشارق كل ما يشرق، أو باعتبار المشارق مشارق الشمس كل يوم، والمشرقين باعتبار مشرقي الصيف والشتاء، ومغربيهما المشرق والمغرب الجهة.
الفوائد:
١ - من فوائد هذه الآيات: وحدانية الله ﷿ في ألوهيته لقوله: ﴿إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ (٤)﴾.
٢ - ومن فوائدها: بطلان ألوهية ما سوى الله لقوله: ﴿إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ (٤)﴾ فإذا كان واحدًا فما سواه فهو باطل.
٣ - ومن فوائدها: أهمية التوحيد؛ لأن الله تعالى أقسم بالملائكة على ثبوت هذا التوحيد؛ ولأن الله تعالى أكده بثلاثة مؤكدات: القسم، إن، اللام. ﴿إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ (٤)﴾.
٤ - ومن فوائدها: التناسب بين المقسم به وعليه، فالمقسم به الملائكة في حال تلك الأوصاف: الصف والزجر والتلو. والمقسم عليه وحدانية الله، والتناسب بينهما: أن الملائكة إنما تفعل ذلك توحيدًا لله ﷾ وتعظيمًا له.
٥ - ومن فوائدها: إثبات الربوبية لله ﷾ لقوله: ﴿رَبُّ السَّمَاوَاتِ﴾.
1 / 22
٦ - ومن فوائدها: عموم ربوبيته في قوله ﴿رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ (٥)﴾.
٧ - ومن فوائدها: التلازم بين توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية، فإن قوله: ﴿رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا﴾ بعد قوله: ﴿إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ (٤)﴾ كالدليل على توحده بالألوهية، وذلك أنه إذا كان متوحدًا بالربوبية لزم أن يكون متوحدًا في الألوهية. كما قال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ [البقرة: ٢١] فكيف تعبدون غيره ممن لم يخلقكم ولا خلق أحدًا؟
﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ﴾. [الحج ٧٣]
ولهذا قال أهل العلم: من أقر بتوحيد الربوبية لزمه أن يقر بتوحيد الألوهية وإلا كان متناقضًا؛ لأنه يقال له: كيف تقر بأن الله وحده هو الرب الخالق ثم تعبد معه من لا يخلق؟ وهل هذا إلا تناقض؟
وهذه الآية وما شابهها من آيات الكتاب العزيز تدل على التلازم بين توحيد الألوهية والربوبية، ووجه ذلك أنه يلزمه أن يقر بتوحيد الألوهية ولكن كيف تلزمه؟ لأنه إذا قال: إن الله ﷾ واحد في الخلق فيجب ألا يعبد غيره.
٨ - ومن فوائدها: إثبات أن للسماوات عددًا لقوله: ﴿رَبُّ السَّمَاوَاتِ﴾ وقد بين في مواضع بأنها سبع، وكذلك الأرض.
٩ - ومن فوائدها: الإشارة إلى عظم السماوات والأرض وما بينهما؛ لأن الله أضاف الربوبية إليها في مقام إقامة الحجة،
1 / 23