وَلَوْلَا كَثْرَةُ الْبَاكِينَ حَوْلِي ... عَلَى إِخْوَانِهِمْ لَقَتَلْتُ نَفْسِي
وَمَا يَبْكُونَ مِثْلَ أَخِي وَلَكِنْ ... أُسَلِّي النَّفْسَ عَنْهُ بِالتَّأَسِّي
فإذا عَلِمَ النَّبي ﵊ أن هَذَا دَأْبُ قومِ الأنبياءِ من قِبَلِه فَإِنَّهُ يَتَسَلَّى ويُهَوَّنُ عليه الأمرُ.
قَالَ المُفَسِّر ﵀: [﴿وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا﴾ لك ﴿وَنَصِيرًا﴾ ناصرا لك على أعدائك].
قوله: ﴿وَكَفَى بِرَبِّكَ﴾ (الباء) يَقُولُونَ: إنها زائدة إعرابًا فقطْ، ولها معنى، و(ربك) فاعل (كفى)، يعني: وكفى رَبُّكَ، و(هاديا) تمييز محوَّل عن الفاعلِ، يعني كفت هدايته ونصره، والتمييز قد يحول عن الفاعل، وقد يحول عن المفعول، فقوله ﷾: ﴿وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا﴾ محوَّل عن المفعولِ؛ لِأَنَّ الأَصْلَ: وَفَجَّرْنَا عيونَ الأرضِ، هنا ﴿وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا﴾ الأَصْل: وكفتْ هدايةُ ربِّك ونصرُه.
﴿وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا﴾ أي: ناصرًا لك على أعدائِك. ووجه المناسبةِ بين قولِه ﷿: ﴿وَقَالَ الرَّسُولُ يَارَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا﴾ وقوله: ﴿وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا﴾ أقول: المشركون الَّذِينَ يُنابِذون الرُّسُلَ يَقصدون بذلك أمرينِ؛ إضلالَ النَّاسِ للحيلولةِ دونَ وصولِ الهِدايَةِ إليهم، والعُدوان على الرُّسُلِ حتى بالحرب والقتال، فبيَّن اللَّه ﷾ أن هَذِهِ المحاولة ليستْ بشَيْءٍ؛ لِأَنَّ اللَّه ﵎ كَفَى به هاديًا، فلا يستطيع هَؤُلَاءِ الأعداءُ أن يُضِلُّوا أحدًا، وكفى به نصيرًا، فلا يستطيع هَؤُلَاءِ الأعداءُ أن يَقضُوا على دعوةِ الرسُلِ.
* * *