Tafsir Al-Uthaymeen: Al-Ankabut
تفسير العثيمين: العنكبوت
Yayıncı
مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الخيرية
Baskı Numarası
الأولى
Yayın Yılı
١٤٣٦ هـ
Yayın Yeri
المملكة العربية السعودية
Türler
ثم يُحْجبُ عنهم، فهذا وقْعُه عليهم أشدُّ من الذين لم يُعْطُوا نورًا مِنَ الأصْلِ.
إذا قالَ قائلٌ: هذه الرُّؤيَةُ كيفَ تُقِرُّونَها وتؤمنون بها مع أن اللَّه جَلَّ وَعَلَا يقولُ لموسَى: ﴿لَنْ تَرَانِي﴾ [الأعراف: ١٤٣]، ويقول: ﴿لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ [الأنعام: ١٠٣].
فالجوابُ: أن قولَهُ لموسَى: ﴿لَنْ تَرَانِي﴾ جواب لقولِ مُوسَى: ﴿أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ﴾ وهو يريدُ رؤيةَ ربِّه الآن، ولهذا قال: ﴿انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي﴾ [الأعراف: ١٤٣]، فدَلَّ هذا على أن نَفْي الرُّؤَيةِ في ذلك الوقتِ، وهذا حَقٌّ، فإن اللَّه جَلَّ وَعَلَا لا يُرَى في الدُّنْيَا لعَجْزِ الإنسان عن تَحمُّلِ ذلك، وقد ضَربَ اللَّه لرَسولِه موسَى ﷺ مَثلًا بالجبلِ، فإنَّ اللَّه تعالى لما تَجَلَّى للجبلِ جَعلَهُ دَكًّا وخرَّ موسى صَعِقًا.
أما قوله ﷿: ﴿لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ﴾، فهي إلى الدَّلالَة على ثُبوتِ الرؤية أقربُ من الدَّلالةِ على نَفْي الرؤية، لأن اللَّه -جل ذكره- لم يَقُلْ: لا يُرَى، بل قال: ﴿لَا تُدْرِكُهُ﴾ ونَفْيُ الأخَصِّ لا يدُلُّ على نَفْي الأعَمِّ؛ لأن الإدراكَ أخصُّ من مُطلَقِ الرُّؤيةِ، وهذه قاعِدةٌ معروفةٌ عندَ أهلِ العِلم.
فهنا نقول: إن الآية تَدلُّ على أنه ﷾ يُرَى؛ لأنه لو لم يُرَ لقال: لا تَراهُ الأبصارُ، فلما قال: ﴿لَا تُدْرِكُهُ﴾ عُلِمَ أنه ﷾ يُرَى لكن لا يُدرَك، ونحن نقول: ﴿لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ﴾ حتى في الآخرة، فإنه لا يُمكِنُ الإحاطةُ باللَّه ﷿، لكنَّه يُرَى.
وضَرْبُ المثل لا بأس به لكن مع الفَرْقِ: ألَسْنَا نرَى الشمسَ ولا نُدْرِكُهَا؟ بل نَرى أصغرَ حيوانٍ بالعين ومع ذلك لا ندرك ما فِيه مما خلَق اللَّه في جوفِه أو في جِلْدِهِ.
1 / 104