Tafsir al-Baydawi
تفسير البيضاوى
Araştırmacı
محمد عبد الرحمن المرعشلي
Yayıncı
دار إحياء التراث العربي
Baskı Numarası
الأولى
Yayın Yılı
١٤١٨ هـ
Yayın Yeri
بيروت
يَحْزَنُونَ
الشرط الثاني مع جوابه جواب الشرط الأول، وما مزيدة أكدت به إن ولذلك حسن تأكيد الفعل بالنون وإن لم يكن فيه معنى الطلب، والمعنى: إن يأتينكم مني هدى بإنزال أو إرسال، فمن تبعه منكم نجا وفاز، وإنما جيء بحرف الشك، وإتيان الهدى كائن لا محالة لأنه محتمل في نفسه غير واجب عقلًا، وكرر لفظ الهدى ولم يضمر لأنه أراد بالثاني أعم من الأول، وهو ما أتى به الرسل واقتضاه العقل، أي: فمن تبع ما أتاه مراعيًا فيه ما يشهد به العقل فلا خوف عليهم فضلًا عن أن يحل بهم مكروه، ولا هم يفوت عنهم محبوب فيحزنوا عليه، فالخوف على المتوقع والحزن على الواقع نفى عنهم العقاب وأثبت لهم الثواب على آكد وجه وأبلغه. وقرئ «هدى» على لغة هذيل و«لا خوف» بالفتح.
[سورة البقرة (٢): آية ٣٩]
وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٣٩)
وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ عطف على فَمَنْ تَبِعَ إلى آخره قسيم له كأنه قال: ومن لم يتبع بل كفروا بالله، وكذبوا بآياته، أو كفروا بالآيات جنانًا، وكذبوا بها لسانًا فيكون الفعلان متوجهين إلى الجار والمجرور. والآية في الاصل العلامة الظاهرة، ويقال للمصنوعات من حيث إنها تدل على وجود الصانع وعلمه وقدرته، ولكل طائفة من كلمات القرآن المتميزة عن غيرها بفصل، واشتقاقها من آي لأنها تبين آيًا من أي أو من أوى إليه، وأصلها أية أو أوية كتمرة، فأبدلت عينها ألفًا على غير قياس. أو أيية. أو أوية كرمكة فأعلت. أو آئية كقائلة فحذفت الهمزة تخفيفا. والمراد بِآياتِنا الآيات المنزلة، أو ما يعمها والمعقولة. وقد تمسكت الحشوية بهذه القصة على عدم عصمة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من وجوه:
الأول: أن آدم صلوات الله عليه كان نبيًا، وارتكب المنهي عنه والمرتكب له عاص.
والثاني: أنه جعل بارتكابه من الظالمين والظالم ملعون لقوله تعالى: أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ.
والثالث: أنه تعالى أسند إليه العصيان، فقال وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى.
والرابع: أنه تعالى لقنه التوبة، وهي الرجوع عن الذنب والندم عليه.
والخامس: اعترافه بأنه خاسر لولا مغفرة الله تعالى إياه بقوله: وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ والخاسر من يكون ذا كبيرة.
والسادس: أنه لو لم يذنب لم يجر عليه ما جرى. والجواب من وجوه.
الأول: أنه لم يكن نبيًا حينئذ، والمدعي مطالب بالبيان.
والثاني: أن النهي للتنزيه، وإنما سمي ظالمًا وخاسرًا لأنه ظلم نفسه وخسر حظه بترك الأولى له. وأما إسناد الغي والعصيان إليه، فسيأتي الجواب عنه في موضعه إن شاء الله تعالى. وإنما أمر بالتوبة تلافيًا لما فات عنه، وجرى عليه ما جرى معاتبة له على ترك الأولى، ووفاء بما قاله للملائكة قبل خلقه.
والثالث: أنه فعله ناسيًا لقوله ﷾: فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا ولكنه عوتب بترك التحفظ عن أسباب النسيان، ولعله وإن حط عن الأمة لم يحط عن الأنبياء لعظم قدرهم كما
قال ﵊ «أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الأولياء، ثم الأمثل فالأمثل»
. أو أدى فعله إلى ما جرى عليه على طريق السببية المقدرة دون المؤاخذة على تناوله، كتناول السم على الجاهل بشأنه. لا يقال إنه باطل لقوله تعالى: مَا نَهاكُما رَبُّكُما، وقاسَمَهُما الآيتين، لأنه ليس فيهما ما يدل على أن تناوله حين ما قال له إبليس، فلعل مقاله أورث فيه ميلًا طبيعيًا، ثم إنه كف نفسه عنه مراعاة لحكم الله تعالى إلى أن نسي ذلك، وزال المانع فحمله الطبع عليه.
1 / 74