190

Tafsir al-Baydawi

تفسير البيضاوى

Soruşturmacı

محمد عبد الرحمن المرعشلي

Yayıncı

دار إحياء التراث العربي

Baskı

الأولى

Yayın Yılı

١٤١٨ هـ

Yayın Yeri

بيروت

واستغفروا وعانق بعضهم بعضًا وانصرفوا مع رسول الله ﷺ. وإنما خاطبهم الله بنفسه بعد ما أمر الرسول بأن يخاطب أهل الكتاب إظهارًا لجلالة قدرهم، وإشعارًا بأنهم هم الأحقاء بأن يخاطبهم الله ويكلمهم.
وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلى عَلَيْكُمْ آياتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ إنكار وتعجيب لكفرهم في حال اجتمع لهم الأسباب الداعية إلى الإيمان الصارفة عن الكفر. وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ ومن يتمسك بدينه أو يلتجئ إليه في مجامع أموره. فَقَدْ هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ فقد اهتدى لا محالة.
[سورة آل عمران (٣): آية ١٠٢]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (١٠٢)
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ حق تقواه وما يجب منها، وهو استفراغ الوسع في القيام بالواجب والاجتناب عن المحارم كقوله: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وعن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه: هو أن يطاع فلا يعصي، ويشكر فلا يكفر، ويذكر فلا ينسى. وقيل هو: أن تنزه الطاعة عن الالتفات إليها وعن توقع المجازاة عليها. وفي هذا الأمر تأكيد للنهي عن طاعة أهل الكتاب، وأصل تقاة وقية فقلبت واوها المضمومة تاء كما في تؤده وتخمه والياء ألفًا. وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ أي ولا تكونن على حال سوى حال الإِسلام إذا أدرككم الموت، فإن النهي عن المقيد بحال أو غيرها قد يتوجه بالذات نحو الفعل تارة والقيد أخرى وقد يتوجه نحو المجموع دونهما وكذلك النفي.
[سورة آل عمران (٣): آية ١٠٣]
وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوانًا وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (١٠٣)
وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا بدين الإِسلام، أو بكتابه
لقوله ﵇: «القرآن حبل الله المتين»
. استعار له الحبل من حيث إن التمسك به سبب للنجاة من الردي، كما أن التمسك بالحبل سبب للسلامة من التردى والوثوق به والاعتماد عليه الاعتصام ترشيحًا للمجاز. جَمِيعًا مجتمعين عليه وَلا تَفَرَّقُوا أي ولا تتفرقوا عن الحق بوقوع الاختلاف بينكم كأهل الكتاب، أو لا تتفرقوا تفرقكم في الجاهلية يحارب بعضكم بعضًا، أو لا تذكروا ما يوجب التفرق ويزيل الألفة. وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ التي من جملتها الهداية والتوفيق للإِسلام المؤدي إلى التآلف وزوال الغل. إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً في الجاهلية متقابلين. فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ بالإِسلام. فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوانًا متحابين مجتمعين على الأخوة في الله. وقيل كان الأوس والخزرج أخوين لأبوين فوقع بين أولادهما العداوة وتطاولت الحروب مائة وعشرين سنة حتى أطفأها الله بالإِسلام وألف بينهم برسوله ﷺ. وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ مشفين على الوقوع في نار جهنم لكفركم، إذ لو أدرككم الموت على تلك الحالة لوقعتم في النار. فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها بالإِسلام، والضمير للحفرة، أو للنار، أو للشفا. وتأنيثه لتأنيث ما أضيف إليه أو لأنه بمعنى الشفة فإن شفا البئر وشفتها طرفها كالجانب والجانبة، وأصله شفو فقلبت الواو ألفًا في المذكر وحذفت في المؤنث. كَذلِكَ مثل ذلك التبيين. يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ دلائله. لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ إرادة ثباتكم على الهدى وازديادكم فيه.
[سورة آل عمران (٣): آية ١٠٤]
وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (١٠٤)
وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ من للتبعيض، لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من فروض الكفاية، ولأنه لا يصلح له كل أحد إذ للمتصدي له شروط لا يشترط

2 / 31