Tafsir Ahmed Hateeba

Ahmad Hatiba d. Unknown
96

Tafsir Ahmed Hateeba

تفسير أحمد حطيبة

Türler

أقول العلماء في تعدد الحق في المسألة الاجتهادية اختلف العلماء في مسائل الاجتهاد، هل الحق في المسألة واحد، أو ممكن أن يتعدد فنقول كل مجتهد مصيب؟ والراجح أن الحق واحد، إذ لا يعقل أن يجتهد اثنان في مسألة فيقول واحد هي حلال والثاني يقول هي حرام ويكون الحق مع الاثنين، فتكون حلالًا وحرامًا في الوقت نفسه، لا يكون هذا الشيء. ولكن المجتهد الذي يصيب يؤجر أجرين: أجرًا على اجتهاده وأجرًا على إصابته، والمجتهد الذي يخطئ يؤجر أجرًا واحدًا على أنه اجتهد في هذا الأمر حتى وإن أخطأ. ولذلك في صحيح مسلم عن عمرو بن العاص ﵁ أنه سمع رسول الله ﷺ يقول: (إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران) يعني: دخلت القضية إلى الحاكم فحكم فيها باجتهاده وكأن في الحديث تقديمًا وتأخيرًا. ومعنى (اجتهد) استفرغ الوسع وبذل الجهد في ذلك فوصل إلى شيء معين وقناعة معينة فحكم بهذا الشيء، فيكون له أجران إذا أصاب، (وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر). أما العلماء الذين قالوا: كل مجتهد مصيب، فقد احتجوا بحديث عن النبي ﷺ وهو في الصحيح قال: فإنه لما فرغ النبي ﷺ يوم الأحزاب جاءه جبريل فقال: وضعت السلاح، فوالله ما وضعنا سلاحنا، ثم أمره أن يتوجه إلى بني قريظة، فنادى النبي ﷺ في الناس وقال: (لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة)، فاجتهد الصحابة في ذلك، فالبعض قالوا إنه أراد الاستعجال، فنصلي ونسرع، والفريق الثاني قالوا: قصد أن الصلاة ستكون هنالك، فلم يصلوا العصر حتى وصلوا بني قريظة، وجاء النبي ﷺ وعرف الأمر فلم يلم أحدًا من الفريقين ولم يخطئ واحدًا من الاثنين صلوات الله وسلامه عليه. قالوا: لو كان أحد الفريقين مخطئًا لبين له ﷺ. وقال الفريق الآخر: لعله إنما سكت ﷺ عن تعيين المخطئين؛ لأنهم غير آثمين، والوقت الآن ليس وقت تعنيف أو تأنيب، فطالما أنه اجتهد فأصاب له أجران، أو اجتهد فأخطأ فله أجر، فيكون أحد الفريقين مخطئًا، ولكن الجميع مأجور، لذلك استغنى النبي ﷺ بما ذكره: (إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر) ولم يعنف واحدًا من الفريقين. والأرجح: أن المجتهد إذا اجتهد فأخطأ -طالما أنه من أهل الاجتهاد- فله أجر وإن كان مخطئًا، وإذا كان يجتهد ويصيب فله أجران: أجر على الإصابة وأجر على الاجتهاد. وهذه القضية التي قضى فيها سليمان وداود على نبينا وعليهما الصلاة والسلام لو حصلت في شريعتنا، فقد قال النبي ﷺ: (العجماء جبار، والمعدن جبار، والبئر جبار). جبار أي: هدر، والعجماء: البهيمة. وفي الحديث: (قضى رسول الله ﷺ أن على أهل الحوائط حفظها بالليل، وأن ما أفسدت المواشي بالليل ضامن على أهله). ففرق بين الليل وبين النهار، والكلام على الحقول والبساتين المفتوحة؛ لأن صاحب الماشية لو ظل يحرسها بالليل والنهار لن يستطيع أن يتفرغ لبقية أعماله أبدًا، ولكن صاحب الماشية يذهب في النهار إلى حقله وماشيته معه، وجاره في حقله وماشيته معه، فلو فرضنا أن ماشية الآخر جاءت إلى حقلك فإنك ستردها بالنهار، لكن في الليل إذا اعتدت ماشية الغير على مزرعتك فإن صاحبها يغرم. أما بالنهار فيلزم صاحب كل مزرعة أن يحرس مزرعته حتى لا تدخل فيها ماشية الآخر، إلا إن تعمد صاحب الماشية بأن قادها ودخل بها البستان فإنه يضمن ليلًا أو نهارًا، لكن إذا كان بالليل لزمه أن يضعها في الحظيرة ويقفل عليها بحيث لا تهجم على مزرعة غيره، وإذا فرط في الليل أو لم يفرط فإن عليه الضمان. قال: ﴿وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ﴾ [الأنبياء:٧٩] فالله ﷾ أعطى سليمان الفهم، وأعطى داود الحكم والعلم، وأعطاه أيضًا الصوت الجميل الذي تسمعه الجبال فتردد معه التسبيح، وأيضًا الطير فقد كان داود ﵊ يمر بالجبال مسبحًا فتداوله بالتسبيح، وأي إنسان يرفع صوته فإن صدى الجبال يردد معه، فهل سيكون مثل داود؟ لا؛ لأن الجبال تسبح حقيقة معه ﵊، فهو يسبح وجمال صوته وعظمة الخشوع الذي هو فيه تجعل الجبال تخشع وتردد معه تسبيح الله ﷾. مع أن الجبال صامتة جامدة، ولكن ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ﴾ [الإسراء:٤٤]، فكل شيء يسبح بحمد الله ﷾، ونحن لا نسمع ولا نفقه تسبيحهم. وإنما كانت الجبال تردد مع داود بأمر الله ﷾، قال سبحانه: ﴿يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ﴾ [سبأ:١٠]، ومعنى (أوبي معه) أي: رجعي معه هذا التسبيح. والطير كلمت سليمان وسبحت مع داود، فأعطى الله سبحانه كلًا منهما من فضله ومن هبته ﷾. وقال هنا: يسبحن أي: يصلين معه، كذلك يسبحن بصوت يسمعه داود.

9 / 8