التي قبلكم، فإذا أصبحتم فلا تحدثوا أنفسكم بالمساء، وإذا أمسيتم فلا تحدثوا أنفسكم بالصباح، لأن الأحداث قد كثرت، والخطر عظيم، فاتقوا الله، وألزموا أنفسكم التوبة.
[سورة التوبة (٩): آية ١٢٢]
وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (١٢٢)
قوله تعالى: فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ [١٢٢] قال:
ليتعلموا ما يحتاج إليه في أمر الدين. وقد حكي عن الحسن البصري أنه قال: الفقيه الزاهد في الدنيا، الراغب في الآخرة، البصير في أمر دينه. وسئل سهل عن معنى قوله ﷺ: «طلب العلم فريضة على كل مسلم» «١»، فقال: يعني علم الحال «٢» . قيل: وما علم الحال؟ قال: من الباطن الإخلاص، ومن الظاهر الاقتداء، فمن لم يكن ظاهره إمام باطنه، وباطنه كمال ظاهره فهو في تعب من البدن. قيل: وما تفسير ذلك؟ قال: إن الله قائم عليك في سرك وعلانيتك وحركاتك وسكونك لا تغيب عنه طرفة عين، كما قال: أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ [الرعد: ٣٣] . وقال: مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ [المجادلة: ٧] الآية، وقال:
وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ [ق: ١٦] وهو العرق الذي في جوف القلب، فأخبر أنه أقرب إلى القلب من ذلك العرق. فإذا علمت ذلك، ينبغي أن تستحي منه، وما هاج في القلب شيء مما تهوى النفس. فذكر العبد قيام الله ﷿ عليه، فتركه إلاَّ دخل قلبه من علم حاله ما لو قسم ما أعطى ذلك العبد على أهل المدينة لسعدوا جميعًا وفازوا به، وقد أشار إليه مالك بن أنس «٣» ﵄ حيث قال: ليس العلم بكثرة الرواية، إنما العلم نور يجعله الله في القلب «٤» .
قيل له: كيف يعرف الرجل الحال والعلم به؟ فقال: إذا كنت تتكلم فحالك الكلام، وإذا سكت فحالك السكوت، وإذا قمت فحالك القيام، وإذا قعدت فحالك القعود، والعلم به أن تنظر أن هذا الحال لله أو لغيره، فإن كانت لله استقررت عليها، وإن كانت لغيره تركتها، وهو المحاسبة التي أمر بها عمر ﵁ حيث قال: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا «٥» . وقد كان عمر ﵁ يضرب نفسه بالدرة في المحاسبة.