Tefsir
تفسير ابن باديس ((في مجالس التذكير من كلام الحكيم الخبير)).
Araştırmacı
علق عليه وخرج آياته وأحاديثه أحمد شمس الدين.
Yayıncı
دار الكتب العلمية بيروت
Baskı Numarası
الأولى
Yayın Yılı
١٤١٦هـ - ١٩٩٥م.
Yayın Yeri
لبنان.
Türler
ذهنه تلك المعلومات المهملة حتى تقل أو تضمحل؛ لأن المعلومات إذا لم تتعاهد بالنظر زالت من المحافظة شيئًا فشيئًا. وهذا هو طور الجمود الذي يصيب الأمم المتعلمة في أيامها الأخيرة، عندما تتوافر الأسباب العمرانية القاضية- بسنة الله- بسقوطها.
وإذا لم يصح إدراكه للحقائق، أو لنسبها، أو لم يستقم تنظيمه لها- كان ما يتوصل إليه بنظره خطأ في خطأ وفسادًا في فساد. ولا ينشأ عن هذين إلاّ الضرر في المحسوس، والضلال في المعقول. وفي هذين هلاك الفرد والنوع جزئيًا وكليًا من قريب أو من بعيد.
وهذا هو طور انحطاط الأمم، الانحطاط التام، وذلك عندما يرتفع منها العلم، ويفشو الجهل، وتنتشر فيها الفوضى بأنواعها، فتتخذ رؤوسا جهالًا لأمور دينها وأمور دنياها، فيقودونها بغير علم، فيَضلون ويُضلون، ويَهلكون ويُهلكون، ويفسدون ولا يصلحون (١).
وما أكثر هذا- على أخذه في الزوال بإذن الله- في أمم الشرق والإسلام اليوم.
...
العلم وحده الإمام المتبع في الحياة في الأقوال والأفعال والاعتقادات:
سلوك الإنسان في الحياة مرتبط بتفكيره ارتباطًا وثيقًا: يستقيم باستقامته ويعوجُّ باعوجاجه، ويثمر بإثماره، ويعقم بعقمه؛ لأن أفعاله ناشئة عن اعتقاداته، وأقواله إعراب عن تلك الاعتقادات، واعتقاداته ثمرة إدراكه الحاصل عن تفكيره ونظره.
وهذه الإدراكات الحاصلة عن التفكير والنظر ليست على درجة واحدة في القوة والضعف: فمنها ما هو قوي معبر، ومنها ما هو ضعيف ساقط عن الاعتبار.
فالأول: العلم وهو إدراك أمر على وجه لا يحتمل أن يكون ذلك الأمر على وجه من الوجوه سواه، وهو علم الاعتبار.
ويليه الظن، وهو إدراك لأمر على وجه هو أرجح الوجوه المحتملة، وهو معتبر عندما تتبين قوة رجحانه فيما لا يمكن فيه إلاّ ذاك. وهذه هي الحالة التي يطلق عليه فيها لفظ العلم مجازا.
والثاني: الوهم، وهو إدراك الأمر على الوجه المرجوح.
والشك، وهو إدراك الأمر على وجهين، أو وجوه متساوية في الاحتمال، وكلا هذين لا يعول عليه.
(١) روى البخاري في صحيحه (كتاب العلم، باب٢١، حديث٨٠) عن انس قال: قال رسول الله ﷺ: «إن من أشراط الساعة أن يُرفع العلم ويثبت الجهل ويُشرب الخمر ويظهر الزنا». وروى أيضا (كتاب العلم، باب٣٤، حديث١٠٠) عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «إن الله لا يقبض العلم انزاعًا ينتزعه من العباد ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤوسًا جهالًا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا».
1 / 102