246
{ ألم تر إلى الملإ } أى إلى قصة الملأ ، الجماعة التى تملأ العيون أو المجلس ، مهابة لشرفهم ورياستهم ، يجتمعون للتشاور ، أو يتمالأون ، أى يتعاونون ، ويجوز إطلاقه على مطلق الجماعة ، وبلا اجتماع : وباجتماع لغير تشاور { من بنى إسراءيل } كائنين ، بعض بنى إسرائيل ، ومن للتبعيض { من بعد موسى } متعلق بكائنين المقدر ، أى بعد موت موسى ، ومن للابتداء المنقطع بحصولهم بعده ، ولا يصح تعليقه بقالوا ، لأن معمول المضاف إليه لا يتقدم على المضاف ولا يلهم ، لنيابته عن كائن ، لأن الأصل ألا يتقدم على العامل الذى ليس فيه حروف الفعل معموله ، ولأن معمول النعت لا يتقدم على المنعوت ، وكذا لا يتعلق بكائن ، وذلك أن لهم نعت بنى { إذ قالوا لنبى لهم } قيل يوشع بن نون إفراثيم بن يوسف بن يعقوب عليه السلام ، وهو ابن أخت موسى ، وهو ضعيف ، لأن بيته وبين داود قرونا ، وقيل شمعون بكسر الشين بن صعبة بن علقمة من ولد لاوى بن يعقوب ، وقيل إشمويل بكسر الهمزة ، وعليه الأكثر ، وإسكان الشين وفتح الميم وكسر الواو بعده ياء وبعدها لام ، بن بال ، وقيل ابن حنة بن العافر ، وهو إسماعيل بالعبرانية ، ولا يصح القولان أيضا ، لأن بينهما وبين داود قرونا كثيرة { ابعث } بإذن الله وقد قال بعد ، إن الله قد بعث لكم . . . الخ ، وإن لم يذكروا له ذلك فمعلوم أنه لا حدث إلا بالله { لنا ملكا } أقم لنا أميرا ، أو مره وهو موجود قبل ، أو مره بعد أن تقيمه بالمسير إلى القتال { نقتل } معه وبأمره ورأيه وتسديده { فى سبيل الله } من أشرك بالله ، تتابع يوشع فكالب فحزقيل فإلياس فاليسع بعد موسى ، ثم ظهر لهم عدوهم العمالقة قوم جالوت ، سكان بحر الروم ، بين مصر وفلسطين ، وغلبوا على كثير من بلادهم ، وأسروا أربعمائة وأربعين من أبناء ملوكهم ، وضربوا عليهم الجزية ، وأخذوا التوراة ، وهلك سبط النبوة إلا امرأة حبلى ، ولدت غلاما سمته شمويل ، وقيل شمعون ، ولما كبر قرأ التوراة ببيت المقدس على عالم من علمائهم ونبأه الله ، وقالوا : إن صدقت فابعث لنا ملكا نقاتل كما قال الله D ، وكان أمر بنى إسرائيل على أيدى ملوكهم المتبعين لأنبيائهم المرشدين لهم { قال } ذلك النبى الإسرائيلى { هل عسيتم } لا يخفى أن عسى جامد وأنه فعل إنشاء ، فوجه صحة دخول أداة الاستفهام عليه مع أنه لا خارج له يستفهم عنه ، أن هل عسيتم مضمن معنى أتوقع ، أو أنه ضمن معنى قاربتم ، فليست ناسخة ، وألا تقاتلوا مفعول عسيتم بمعنى قاربتم أو أتوقع ، أو أن الاستفهام متوجه إلى ما توقع بها ، وهو ألا تقاتلوا ، وإذا كان الاستفهام عن المتوقع اندفع استشكال أن المتكلم بكلام لا يستفهم عن توقعه ، وأن يشترط إيلاء المقرر به الهمزة إذا كان التقرير بمعنى عمل المخاطب على الإقرار بما يعفرفه ، وفصل باداة الشرط فى قوله : { إن كتب } فرض { عليكم القتال ألا تقتلوا } تقريرا وتثبتا { قالوا وما لنآ ألا نقتل فى سبيل الله } أى غرض لنا فى ألا نقاتل ، أى فى ترك القتال { وقد أخرجنا } والحال أنا قد أخرجنا { من ديرنا وأبنائنا } تمثيل لإخراجهم عن كل ما لهم به اتصال ، قد خلت الأرضون والأجنة والعيون والأقارب والبنات والأزواج ، أشاروا بذكر الديار إلى الأصول ، وبذكر الأبناء عن الأفاضى ، وخصوا ذكر البنين لشرفهم ، والديار مطلق مواقع الإقامة ، وضمن الإخراج معنى الإفراد أو الإبعاد ، فصح تسلطه على الأبناء ، أو يبقى على ظاهره فيقدر ، وقد أخرجنا وأفردنا أو أبعدنا عن ديارنا وأبنائنا ، فالإخراج للديار والإفراد للأبناء ، وإن قلت : القتال لأجل سبيل الله غير القتال حمية للديار والأبناء ، وفى ذلك غير إخلاص ، قلت ذلك قول من ركت ديانته منهم ، ألا ترى إلى قوله تولوا ، أو أرادوا أن كلا منهم لله ويحفظ ديار إخوانه وأبنائهم ، ولأنه يجوز قصد حمية الديار والأبناء لأنفسهم مع قصد وجه الله لوجوب تلك الحمية عليهم ، وفيها خزى العدو ، وقصد خزيه فرض { فلما كتب عليهم القتال تولوا } أعرضوا عنه { إلا قليلا منهم } ثلاثمائة وثلاثة عشر ، وهم الذين اكتفوا بالغرفة عدد أهل بدر ، فى رواية مشهورة فى أهل بدر ، وأخرجها البخارى عن البراء بن عازب C ، وقيل : ثلاثة آلاف ، وقيل ألف { والله عليم بالظلمين } الذين تولوا عن القتال ، يعاقبهم الله على توليهم لما رأوا كثرة العدو أعرضوا عن القتال ، ولم يعرضوا أو فرض ذلك القتال عليهم ، ولكن فرضة باق إلى يوم التولى .
Sayfa 296