243
{ ألم تر } تعجيب من القصة ، والرؤية علمية بمعنى الإدراك ، مضمنا معنى الوصول والانتهاء ، ولذا عداه بإلى ، أو بصرية مجاز عن النظر للحث على الاعتبار ، لأن النظر اختيارى دون الإدراك ، وقد تعدى هذا أيضا بنفسه فى قوله :
ألم تريانى كلما جئت زائرا ... وجدت بها طيبا وإن لم تطيب
وروى طارقا .
والخطاب له A ، ولو لم يعلمها قبل ، أو لمن يصلح للخطاب ولو لم يعلمها ، فيكون إيجازا معنويا أفاد الإعلام كقولك لمن لم يعلم بمجىء زيد وأردت إخباره ، ألم تعلم أن زيدا جاء؟ أو إخبار لمن علم تشبيها لمن لم يعلم بها بحال من علم من حيث إنه ينبغى ألا تخفى عليه ، وأن يتعجب كأنها مثل مضروب مشهور لا يخفى { إلى الذين } إلى قصة الذين { خرجوا من ديرهم } داوردان ، قبل واسط ، هاربين من طاعون ، أو هم قوم أرمهم السلطان بالجهاد من بنى إسرائيل ففروا حذر الموت { وهم ألوف } سبعون أو أربعون أو ثلاثون أو عشرة كما هو جمع كثرة ، أو تسعة أو ثمانية أو أربعة استعمالا لجمع الكثرة فى القلة ، وذلك من العدد ، جمع ألف بفتح الهمزة ، وقيل من الألفة ضد الوحشة لا من العدد والمفرد إنك بكسر الهمزة كصنف وصنوف ، أو ءالف بهمزة فألف كشاهد وشهود ، أى وهم متألفون ، وهو ضعيف . لأن المقام للقدرة على إماتة العدد الكثير مرة . وإحيائهم مرة كذلك ، لا للتفريق بين المتألفين بإماتتهم { حذر الموت } بالطاعون أو بالقتال { فقال لهم الله موتوا } فماتوا ، كما يدل له أمره التكوينى فإنه لا يتخلف ، وكما يدل له ثم أحياهم ، وذلك عبارة عن تعلق الإرادة بموتهم دفعة ، أو لموتهم بموتة نفس واحدة بلا علة ، أو قال لهم ملك عن الله ، وعن السدى : ناداهم ملكان ، وذلك إماتة بدون ملك الموت ، أو به بإقدار الله له ، أو بأعوان ، ففى كل ساعة من أيام الدنيا يموت مقدار ذلك ، أو أقل أو أكثر من مطلق الحيوان ، الجن والإنس والدواب وسائر ما فيه روح ، ويقال ، ناداهم ملك جبريل أو إسرافيل أو غيرهما ، موتوا ، والظاهر أنهم ماتوا بلا وجع ، أو وجع خفيف ، والله قادر أن يموتوا بوجع كالمتطاول فى لحظة ، وذلك أنهم ماتوا موتة يرجعون بعدها إلى الدنيا ، ويكلفون فيها كما قبل الموت ، وهو موت عقوبة وخرق عادة ، وقيل ، ذلك غير موت ، بل سلب روح سلبا أعظم من سلب النوم ، وسماه موتا مجازا { ثم أحيهم } بعد ثمانية أيام ، أو بعد ما صاروا عظاما ، أو عجل الله بإيلائهم ، فقد ماتوا مرتين كما قال ، ثم بعثنا كم من بعد موتكم ، والأولى عقوبة ، ولله أن يفعل ما يشاء ، مر حزقيل بالحاء أو بالهاء وكسرهما ويقال له ابن العجوز ، إذ سألت الله الولد بعد عقمها بالكبر فوهبه لها ، وقيل مر شمويل ، ويسمى ذا الكفل ، لأنه تكفل بتنجية سبعين نبيا من القتل ، وهو خليفة ثالث بعد يوشع ، ثم كالب بعد موسى عليه السلام ، وقيل مر يوشع ، وقيل شمعون ، وهم موتى متفرقو اللحوم والعظام ، وتفكر وبكى ، وقال ، يارب ، كنت فى قوم يحمدونك ويسبحونك ويقدسونك ويكبرونك ويهللونك فبقيت وحدى ، فأوحى الله إليه ، نادهم ، فناداهم ، فقاموا يقولون ، سبحانك اللهم وبحمدك ، لا إله أنت ، ويقال ، أمره الله أن يناديهم أيتها العظام ، إن الله أمرك أن تجتمعى فنادى ، فاجتمعت والتزقت وأمره أن ينادى ، إن الله أمرك أن تكتسى لحما ، فنادى فاكتسيت ، وأمره أن ينادى ، إن الله أمرك أن تقومى فقاموا أحياء إلى بلادهم { إن الله لذو فضل على الناس } فيجب عليهم شكره على فضله كإحياء هؤلاء بعد موتهم ، ليعتبروا ويفوزوا بالسعادة العظمى ، وكمن سمع بإحيائهم واعتبر { ولكن أكثر الناس لا يشكرون } بل يكفرون بفسق ، وبه وبشرك ، والمشركون أكثر من الموحدين ، وقد انضم إليهم من كفر بالجارحة أيضا ، وفى القصة تمهيد للاجتراء على القتال كما قال :
{ وقتلوا فى سبيل الله } يا أيها المسلمون ، ولا بد من الموت ، فإن قتلتم متم شهداء فائزين ، ولا يرد الموت لأجله شىء ، فقد فر هؤلاء الإسرائيليون عن الطاعون أو القتال أو أهل داوردان فماتوا ولم يغنهم الفرار شيئا فتوكلوا على الله وقاتلوا أعداءه ، ولو بالدعاء على من استعد منهم لإهانة الإسلام ، والعطف على ألم تر عطف قصة على أخرى ، أو مراعاة لمعنى ألم تر ، إذ منعناه انظر وتفكر ، أو يقدر اشكروا وقاتلوا فى سبيل الله { واعلموا أن الله سميع عليم } لا يخفى عنه الجهاد والإخلاص ولا عدم الجهاد أو الإخلاص ، ولا يخفى عنه قول المتخلف عن الجهاد وتنفيره لغيره عنه ، وقيل ، الخطابان فى الزمان السابق لمن أماتهم ثم أحياهم .
Sayfa 294