174
{ إن الذين يكتمون مآ أنزل الله من الكتب } هم علماء النصارى واليهود ورؤساؤهم ، كانوا يصيبون من سفلتهم الهدايا والمآكل ، ويرجون أن النبى المبعوث آخرا منهم ، فلما كان من العرب فاخوا من ذهاب ما يعطون فكتموا صفاته التى فى التوراة والإنجيل ، واهتم أهل الكتاب بأن لا يعلموها من يتعلمها ، وبأن يخطوا عليها ، ويكتبوا كتابا ، ولا يكتبوها فيه . وبأن يبدلوها بعكسها ، وبأن يبدلوها فى التعليم وبكل ما أمكنهم ، وهكذا كلما ذكر كتمهم فى القرآن { ويشترون به } بسبب الكتاب أو ما أنزل إذ كتموه أو بكتمانه { ثمنا قليلا أولئك ما يأكلون فى بطونهم } كلها بملئها ، ولا فى بعض البطن ، لشهرة أنه أكل فى بعض بطنه إذا أكل قليلا ، أو أكل فى بطنه إلا ملأه { إلا النار } ما يأكلون فى الدنيا بكتمانهم إلا سبب النار أو موجب النار ، فحذف المضاف ، ولا يصح أن يكون مجازا بعلاقة التسبب أو المآل ، أى إلا ما سيصير نارا ، أو أن النار مستعمل فى ذلك المأكول ، لأنه لو قيل ما يأكلون فى بطونهم إلا ذلك المأكول بالكتمان أو الصيرورة لم يصح ، فإن شرط المجاز أن تصلح موضعه الحقيقة ، أو المعنى ما يأكلون يوم القيامة إلا النار ، جزاء على ذلك الأكل على الكتمان ، فالمضارع للاستقبال على هذا الوجه ، وللحال على الوجه الأول ، فأكل النار حقيقة ، ولا ينافى الحصر أنهم يأكلون الزقوم أيضا لأنه إضافى ، أى ما يأكلون لهذا الكتمان والأكل عليه إلا النار ، فآكل الزقوم على غيره ، أو على الإطلاق ، أو أكل النار مجاز عن إحراق باطنهم ، أو عد الزقوم أيضا نارا ، أو الكلام تمثيل ، شبه هيئة الراشى والمرتشى والرشوة بهيئة الأكل والنار وآكلها { ولا يكلمهم الله يوم القيمة } كناية عن غضبه عليهم ، أو تعريض بحرمانهم ، لكنهم من الكرامة التى يؤتيها المؤمنين ، لعدم كتمانهم ، ومن جملتها الكلام الموحى إليهم من الله بالبشرى والرضى ، أو المراد لا يكلمهم بخير كما يكلم المؤمنين ، وذلك بالوحى ، وإلا فمطلق الكلام ، واقع لقوله تعالى : { فوربك لنسألنهم أجمعين } وقوله : { فلنسألن الذين أرسل إليهم } ، ويسال كل مكلف { ولا يزكيهم } يطهرهم من الذنوب ، أو لا يمدحهم { ولهم عذاب أليم } فى الدنيا كالآخرة .
Sayfa 198