اعلم إن الصراط لا يكون صراطا إلا بمرور المارة عليه وقد مرت الإشارة إلى ان الخلائق كلها متوجهة شطر الحق توجها غريزيا وحركة جبلية نحو مسبب الأسباب، وفي هذه الحركة الجبلية لا يتصور في حقهم الضلال والانحراف عما عين الله لكل منهم، والله آخذ بناصيته، كما قال الله:
ما من دآبة إلا هو آخذ بناصيتهآ إن ربي على صراط مستقيم
[هود:56].
وما من موجود في عالم الخلق إلا وهو حيوان ماش فيكون دابة. وكل دابة فالرب آخذ بناصيتها، وعليه رزقها، ويعلم مستقرها ومستودعها، كما قال تعالى:
وما من دآبة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين
[هود:6]، فتكون مفطورة على المشي على نهج الاستقامة من غير ضلال، وأما المسمى إنسانا، فلوجود الاختيار المخالف للطبع فيه، ومزاحمة قوة الوهم الذي يعتريه، يتصور في حقه الضلال والغواية والنكال والغباوة من جهة حركاته الإختيارية المورثة له قربا أو بعدا من الله، المثمرة له سعادة أو شقاوة في الدار الآخرة، فيحتاج الى من يهديه، ويذكر له العهد القديم، ويثبته على الصراط المستقيم.
فالهادي هو الله بالحقيقة بواسطة الكتاب والرسول (صلى الله عليه وآله)، من يقوم مقامه من الأئمة الهداة (عليهم السلام)، فيختص الإنسان من بين سائر المخلوقات، بأن هداه الله بالهدايتين الكونية والوضعية من جهة حركتيه الاضطرارية والاختيارية، وجمع لأجله بين الدعوتين العامة والخاصة، وشرع له الشريعتين، وساسه بالسياستين المطبوعة والمجعولة، وأوجب عليه طاعة الحكمين: التكويني والتدويني، وذلك لاشتماله على مبدأ الحركتين: الذاتية والإرادية.
أما الحركة الذاتية له، فهي حركة جوهرية، لها كسائر الحركات فاعل وقابل، ومسافة وبداية ونهاية، إلا ان الحركة في الجوهر تخالف غيرها في أمر، وهو أن مسافة هذه الحركة هي عين المتحرك حقيقة ووجودا وغيره كمالا ونقصا، بخلاف الحركة في سائر المقولات، فإن المسافة فيها تباين ذات المتحرك كما هو المقرر عند العقلاء. ونحن قد بينا صحة الحركة في مقولة الجوهر في أسفارنا ببيانات برهانية، يضطر أهل النظر على الاعتراف بها، والآيات القرآنية الدالة على هذه الحركة، وخصوصا ما للانسان كثيرة.
منها: في باب حركة الجواهر الأرضية في ذاتها، كقوله تعالى:
وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب
Bilinmeyen sayfa