وأما كيف السبيل الى الاحتراز عما يجب الاحتراز عنه، فإن شريف النفس، نجيب الجوهر، طيب الأصل؛ قلما يهم بشيء مما ليس في فطرته، ولم يقدر له من الفواحش والرذائل لعدم المناسبة، وإذا هم نادرا لغلبة صفة من صفات نفسه وقواه، ولاستيلاء داعية من دواعي الوهم وهيجان من شهوة، زجره زاجر من عقله. وهذا كما قال تعالى في حق يوسف (عليه السلام):
ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه
[يوسف:24].
فإذا كان دون ذلك في صفاء الاستعداد، فلا ينزجر الا بزجر زاجر من الشرع والسياسة، والناصح والأديب وغير ذلك، ويستحيي منه، وإذا هم بشيء مما فطربه من المحاسن، وجد باعثا من عقله ودرايته، وناصرا من توفيقه وهدايته، فيقدر عليه بشوقه وشغفه لمناسبته إياه، لا ينتهي عنه بدفع دافع ولا يمنعه منع مانع، وإن كان دون ذلك، احتاج الى محرض باعث ومشوق من خارج.
والخسيس النفس، الخبيث الجوهر، الردي الأصل، بالعكس، وكل يشتاق الى ما يفعله بطبعه وبحبه ويستحسنه، وإن كان الثاني يعمل أن ضده أجود وأحسن، كمحبة الزنجي ولده مع قبحه، دون الغلام التركي مع علمه بحسنه، وأما حديث السعادة والشقاوة فيسأتي تحقيقه.
عقدة اخرى وحل
[لماذا الثواب والعقاب]
ثم لعلك تعود وترجع الى حال الثواب والعقاب فتقول: إذا كان الكل بقضاء الله وكتابه، فلماذا يعاقب من ساقه القدر الى ارتكاب خطيئة أو اقتراف سيئة؟
فنجيبك يا أخا القدري: بأن العقاب على فعل السيئات والخطيئات، ليس لمنتقم خارجي غضبان يريد أن ينتقم من عدوه نيلا لما يطلبه من إزالة ألم الغيظ؛ أو التشفي عن حرقة لهب الغضب، بل النفس العاصية الخاطئة، هي حمالة حطب نيرانها الى يوم القيامة.
فإنها ستحترق بنيران عقائدها الباطلة، وشهواتها الكامنة، وتلتدغ بحيات وعقارب منبعثة عند الآخرة من سموم أخلاقها وعاداتها الردية.
Bilinmeyen sayfa