وعرضت دينا لا محالة أنه
من خير أديان البرية دينا
{ ولو ترى } يا محمد جوابه محذوف تقديره ولو ترى أرأيت أمرا شنيعا { إذ وقفوا على النار } حين عاينوها واطلعوا عليها وادخلوها { فقالوا يا ليتنا نرد } تمنيهم الرد إلى الدنيا، ثم ابتدأوا { ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين } واعدين الايمان كأنهم قالوا ونحن لا نكذب ونؤمن على وجه الاثبات، قوله تعالى: { بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل } من قبائحهم وفضائحهم في صحفهم، وشهادة جوارحهم عليهم، فلذلك تمنوا ما تمنوا ضجرة إلا أنهم عازمون على أنهم لو ردوا لآمنوا، وقيل: هم المنافقون وأنه يظهر نفاقهم الذي كانوا يسرونه، قيل: هم أهل الكتاب وأنهم يظهر لهم ما كانوا يخفونه من صحة نبوة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، قوله تعالى: { ولو ردوا } إلى الدنيا بعد وقوفهم على النار { لعادوا لما نهوا عنه } من الكفر والعصيان { وانهم لكاذبون } فيما وعدوا به من أنفسهم، وكفى به دليلا على كذبهم.
[6.29-34]
{ ولو ترى } يا محمد { إذ وقفوا } مجاز عن الحسن للتوبيخ، كما يوقف العبد الجاني بين يدي سيده ليعاقبه، وقيل: وقفوا على جزاء ربهم، وقيل: عرفوا حق التعريف { قال أليس هذا بالحق } وهذا تعييرا من الله لهم على الكذب، بقولهم لما كانوا يسمعون من البعث والجزاء: ما هو بحق وما هو إلا باطل { قال فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون } بلقاء الله تعالى، قوله تعالى: { قد خسر } قد غبن وهلك { الذين كذبوا بلقاء الله } يعني بالبعث بعد الموت { حتى إذا جاءتهم الساعة بغتة } يعني فجأة { قالوا يا حسرتنا على ما فرطنا فيها } يعني على ما فرطنا في الدنيا من طاعة الله، ومنه ما فرطت في جنب الله { وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم } آثامهم وأثقالهم كقوله تعالى:
فبما كسبت أيديكم
[الشورى: 30] والأوزار عبارة عن جملة الذنوب { ألا ساء ما يزرون } بئس شيئا يزرون وزرهم كقوله تعالى: { ساء مثلا القوم } ، وقيل: المؤمن إذا خرج من قبره جاءه عمله فيركب ظهر الكافر، والوزر الثقيل من الإثم، وجمعه أوزار، ومنه حتى تضع الحرب أوزارها أي أثقالها، قوله تعالى: { وما الحياة الدنيا إلا لعب ولهو } يعني أن أعمال الدنيا لعب ولهو واشتغال بما لا يغني ولا ينفع كما ينفع أعمال الآخرة المنافع العظيمة { وللدار الآخرة خير للذين يتقون } دليل على أن ما سوى أعمال المنافقين لعب ولهو { قد نعلم أنه ليحزنك } بفتح الياء وضمها و { الذي يقولون } هو قولهم هو ساحر كذاب { فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون } يعني أن تكذيبك أمر راجع الى الله تعالى لأنك رسوله المصدق بالمعجزات فهم لا يكذبونك في الحقيقة وإنما يكذبون الله تعالى بجحود آياته، وقيل: لا يكذبونك بقولهم ولكنهم يجحدون بألسنتهم، وقيل: لأنهم لا يكذبونك لأنك عندهم الصادق ولكنهم كانوا يجحدون بآيات الله تعالى، وعن ابن عباس: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يسمى الأمين فعرفوا أنه لا يكذب في شيء ولكنهم كانوا يجحدون، وكان أبو جهل يقول: ما نكذبك ولكن نكذب بما جئتنا به، وقيل: نزلت الآية في أبي جهل حين قال له الأخنس: يا أبا الحكم أخبرني عن محمد أصادق هو أم كاذب فإنه ليس عندنا أحد غيرنا؟ فقال: والله ان محمدا لصادق وما كذب قط، ولكن إذا ذهب بنو قصي باللواء والسقاية والحجابة والنبوة، فماذا يكون لسائر قريش؟ فنزلت، وقيل: نزلت في الحرث بن عباس بن نوفل بن عبد مناف وكان يكذب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في العلانية فإذا خلى بأهله قال: ما محمد بأهل للكذب، ويقول للنبي: إنك لصادق وانا لا نتبعك خوفا من العرب، وقيل: نزلت في المشركين، وقيل: في أهل الكتاب، قوله تعالى: { ولقد كذبت رسل من قبلك } الآية تسلية لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) { فصبروا على ما كذبوا وأوذوا } يعني صبروا على تكذيبهم وإيذائهم { ولا مبدل لكلمات الله } يعني لمواعيده { ولقد جاءك من نبإ المرسلين } يعني بعض أنبائهم وقصصهم وما كابدوا من مصابرة المشركين.
[6.35-45]
{ وإن كان كبر عليك إعراضهم } أي عظم وشق ذلك أنه عظم على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إعراض الخلق عن الله تعالى، ومعصيتهم له، ومخالفتهم لحكمه، فلما كبر ذلك عنده وعظم عليه أنزل الله هذه الآية، والنفق هو المحتقر في الأرض، حتى يطلع لهم آية يؤمنون بها { أو سلما } أي درجة ومصعدا { في السماء } يصعد فيه { فتأتيهم بآية } منها فافعل يعني انك لا تستيطع ذلك والمعنى إنما أنت عبد مأمور وأنه (صلى الله عليه وآله وسلم) لو استطاع أن يأتيهم بآية من تحت الأرض أو من فوق السماء لأتى بها رجاء لايمانهم { ولو شاء الله لجمعهم على الهدى } بأن يأتيهم بآية ملجئة ولكنه لا يفعل لعلمه بالمصلحة { فلا تكونن من الجاهلين } من الذين يجهلون ذلك ويرومون ما هو خلافه قوله تعالى: { إنما يستجيب } أي يجيب، وقد يكون ذلك بالقبول { الذين يسمعون } يعني يجيب من سمع الحق سماع مسترشد طلبا للحق، فأما من لا يسمع أو يسمع منكرا أو معاندا فإنه لا يؤمن { والموتى } يعني الكفار، وقيل: الموتى { يبعثهم الله ثم إليه يرجعون } { ولكن أكثرهم لا يعلمون } ما لهم في نزولها، قوله تعالى: { وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه } على التأكيد يعني كل ذي روح إما أن تدب وإما أن يطير { إلا أمم أمثالكم } مكتوبة أرزاقها وآجالها وأعمالها كما كتبنا آجالكم وأرزاقكم وأعمالكم { ما فرطنا في الكتاب من شيء } ما تركنا في اللوح المحفوظ من شيء من ذلك لم نكتبه بل كتبناه { ثم إلى ربهم يحشرون } يعني الأمم كلها من الدواب والطير فيعرضون وينصف بعضها من بعض، كما روي أنه يأخذ للجماء من القرناء، وقيل: أمثالكم في الآجال وفي الأرزاق، وقيل: في إنها تولد { والذين كذبوا بآياتنا } بمحمد والقرآن { صم } لا يسمعون الحق { وبكم } لا ينطقون { في الظلمات } يعني ظلمات الكفر فهم غافلون عن تأمل ذلك والتفكر فيه { من يشإ الله يضلله } أي يخليه وضلالته لا يلطف به لأنه ليس من أهل اللطف { ومن يشإ يجعله على صراط مستقيم } أي يلطف به { أغير الله تدعون } بمعنى أتخصون آلهتكم بالدعوة فيما هو عادتكم إذا أصابكم ضر أو تدعون الله دونها { بل إياه تدعون } بل تخصونه بالدعاء دون الالهة { فيكشف ما تدعون إليه } أي ما تدعونه لكشفه { إن شاء } إن أراد أن يتفضل عليكم ولم يكن فيه مفسدة { وتنسون ما تشركون } يعني وتتركون آلهتكم ولا تذكرونها في ذلك الوقت، قوله تعالى: { فأخذناهم بالبأساء } يعني الجوع والقحط { والضراء } الأمراض، وقيل: البأساء شدة الفقر، وقيل: البأساء القتل والضراء احتياج المال، وقيل: البأساء الخوف والضراء المرض وموت الأولاد { لعلهم يتضرعون } يعني فعلنا ذلك لعلهم يتذللون لربهم ويتوبوا، قوله تعالى: { فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا } معناه نفي التضرع عنهم ولم يكن إلا لقسوة قلوبهم وإعجابهم بأعمالهم التي زينها الشيطان لهم، وقيل: معناه هل لا تضرعوا إلى الله من ذنوبهم إذ جاءهم بأسنا أي نزل بهم البلاء { فلما نسوا ما ذكروا به } من البأساء والضراء أي تركوا الاتعاظ ولم ينفع فيهم ولم يزجرهم، وقيل: تركوا ما ذكروا به من الأوامر والنواهي { فتحنا عليهم أبواب كل شيء } أي أبدلناهم مكان الشدة الرخاء في العيش والصحة وصنوف النعمة { حتى إذا فرحوا بما أوتوا } من الخير { أخذناهم بغتة } أي فجأة امن ما كانوا وأعجب ما كانت الدنيا لهم { فإذا هم مبلسون } ، قيل: خرجوا من الدنيا آيسين من رحمة الله، وقيل: هالكون آيسون متحيرون، وقيل: مخذولون { فقطع دابر القوم } آخرهم لم يترك منهم أحد يعني استوصلوا وأهلكوا { والحمد لله رب العالمين } عند هلاك الظلمة، فإنه من أجل النعم حيث منعهم من زيادة الكفر والمعاصي، وروي عنه صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال:
" إذا رأيت الله سبحانه وتعالى يعطي العباد ما يسألون على معاصيهم فإنما ذلك استدراج منه لهم "
Bilinmeyen sayfa