{ إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض } أي نصدق ببعض { ونكفر ببعض } والآية نزلت في اليهود والنصارى { أولئك هم الكافرون حقا } أي هم الكاملون في الكفر، حقا تأكيد { والذين آمنوا بالله ورسله } صدقوا الله بتوحيده وعدله وصفاته الواجبة وجميع أنبيائه { ولم يفرقوا بين أحد منهم أولئك سوف نؤتيهم أجورهم } { يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم } الآية في كعب بن الأشرف وفنحاص وجماعة من اليهود قالوا لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إذا كنت نبيا صادقا فائتنا بكتاب من السماء جملة كما أتى به موسى فنزلت { فقد سألوا موسى أكبر من ذلك } معناه إذا استكثرت ما سألوه منك { فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة } الآية ولما نزلت هذه الآية غضبت اليهود وقالوا: ما أنزل الله على بشر من شيء فنزل قوله:
إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده
[النساء: 163] { فأخذتهم الصاعقة بظلمهم } هم بنو إسرائيل سألوا موسى إذ يريهم الله جهرة فأنزل الله عليهم الصاعقة، فأهلكتهم وهم الذين خرجوا مع موسى إلى جبل الطور الذي ذكر الله تعالى في قوله:
واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا
[الأعراف: 155] فأحياهم الله تعالى بدعاء موسى وقد تقدم كلامهم في سورة البقرة، وكذلك ثم ذكر الله تعالى اتخاذهم العجل من بعد أن أنقذهم من آل فرعون، وما رأوا من الآيات العظام من انفلاق البحر طريقا ومشيهم في قعره يبسا فلم ينفعهم ذلك، { وآتينا موسى سلطانا مبينا } ظاهرا عليهم حين أمرهم بأن يقتلوا أنفسهم وأطاعوه والسيوف تساقط عليهم يا لك من سلطان { وقلنا لهم ادخلوا الباب } يعني وقلنا لهم والطور مظل عليهم { لا تعدوا في السبت } وقد تقدم الكلام في سورة البقرة وهو يأتي انشاء الله تعالى في سورة الأعراف { وأخذنا منهم ميثاقا غليظا } على ذلك { فبما نقضهم ميثاقهم } وما مزيدة للتوكيد أي منقض هؤلاء الذين تقدم ذكرهم من أهل الكتاب، ميثاقهم عهودهم قيل: هم الذين كانوا في عهد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) { وكفرهم بآيات الله } أي حججه ومعجزاته التي أظهرها على أنبيائه ، وقيل: كفرهم بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) { وقتلهم الأنبياء بغير حق } من غير استحقاق القتل كزكريا ويحيى (عليهما السلام) { وقولهم قلوبنا غلف } قيل: ذات غلف مما تدعونا إليه لأنا لا نفهم منه شيء، وقيل: غلف أوعية للعلم وهي مع ذلك لا تفهم احتجاجك بما تحتج به، وقيل: أوعية للعلم فلا تحتاج إلى علمك { بل طبع الله عليها } ، قيل: الطبع علامة جعلها الله تعالى على قلوبهم تدل الملائكة أنهم كفار، وقيل: ذم { بكفرهم } أي بسبب كفرهم { فلا يؤمنون إلا قليلا }.
[4.156-161]
{ وبكفرهم وقولهم على مريم بهتانا عظيما } { وقولهم إنا قتلنا المسيح } سمي مسيحا لأنه مسح بالبركة، وقيل: لأنه يسيح في الأرض، وقولهم عيسى ابن مريم رسول الله قال جار الله: فإن قلت: كانوا كافرين بعيسى (عليه السلام) أعداء له عامدين لقتله يسمونه الساحر ابن الساحرة والفاعل ابن الفاعلة، فكيف قالوا: { إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله }؟ قلت: قالوا على وجه الاستهزاء كقول فرعون:
إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون
[الشعراء: 27] ويجوز أن يضع الله الذكر الحسن مكان الذكر القبيح في الحكاية عنهم، وروي أن رهطا من اليهود سبوه وسبوا أمه ودعا عليهم: اللهم أنت ربي وخلقتني بكلمتك، اللهم العن من سبني وسب والدتي، فمسخ الله من سبهما قردة وخنازير فاجتمعت اليهود على قتله فأخبره الله بأنه يرفعه إلى السماء ويطهره من اليهود فقال لأصحابه: " أيكم يرضى أن يلقى عليه شبهي فيقتل ويصلب ويدخل الجنة؟ " فقال رجل منهم: أنا، فألقى الله عليه شبهه فقتل وصلب، وقيل: كان رجلا منافق لعيسى (عليه السلام) فلما أرادوا قتله قال: أنا أدلكم عليه فدخل فرفع الله عيسى وألقى شبهه على المنافق فدخلوا عليه فقتلوه وهم يظنون أنه عيسى، ثم اختلفوا فقال بعضهم: إنه إله لا يصح قتله، وقال بعضهم: أنه قتل وصلب، وقال بعضهم: هذا عيسى فأين صاحبنا؟ وإن كان صاحبنا فأين عيسى؟ وقال بعضهم: رفع إلى السماء، وقال بعضهم: الوجه وجه عيسى والبدن بدن صاحبنا { إلا اتباع الظن } يعني قال جار الله: استثناء منقطع لأن اتباع الظن ليس من جنس العلم ولكن يتبعون الظن { وما قتلوه يقينا } وما قتلوه قتلا يقينا وما قتلوه كما ادعوا ذلك في قولهم: إنا قتلنا المسيح { وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته } يعني اليهود والنصارى ما منهم أحد إلا ليؤمنن به قبل موته بعيسى وأنه عبد الله ورسوله يعني إذا عاين حين لا ينفعه إيمانه، وقيل: ليؤمنن به يرجع الضمير إلى الله، وقيل: إلى محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، وروي أنه ينزل من السماء في آخر الزمان فلا يبقى أحد من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به حتى تكون الملة واحدة وهي ملة الإسلام ويهلك الله في زمانه الدجال ويقع الأمنة حتى يرتع الأسد مع الإبل، والذئاب مع الغنم، والنمران مع البقر، وتلعب الصبيان بالحيات، ويلبث في الأرض أربعين سنة ثم يتوفى ويصلي عليه المسلمون ويدفنونه، قال جار الله: ويجوز أن يريد أنه لا يبقى أحد من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به على أن الله يحييهم في قبورهم في ذلك الزمان ويعلمهم نزوله وما أنزل به ويؤمنوا حين لا ينفعهم الإيمان { فبظلم من الذين هادوا } الآية والألبان حرمت عليهم الطيبات إلا لظلم عظيم ارتكبوه من الكفر والكبائر العظيمة والطيبات التي حرمت عليهم ما ذكره في قوله: { وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر } الآية والألبان حرمت عليهم وقد قدمنا كلامهم.
[4.162-170]
Bilinmeyen sayfa