إذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون
[يونس: 49]، قال: قد قال الله: { ما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب } ، وعن سعيد بن جبير: يكتب في الصحيفة عمر كذا وكذا سنة، ثم يكتب في أسفل ذلك ذهب يوم ذهب يومان حتى يأتي على آخره، عن قتادة: العمر من بلغ ستين سنة، والمنقوص من عمره من يموت قبل ستين سنة، والكتاب: اللوح، ويجوز أن يريد بكتاب الله علمه أو صحيفة الانسان { وما يستوي البحران } العذب والمالح وهو مثل للمؤمن والكافر، ومن كل واحد منهما { تأكلون لحما طريا } وهو السمك { وتستخرجون حلية } وهو اللؤلؤ والمرجان { وترى الفلك فيه مواخر } أي جواري تشق الماء شقا { لتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون } هذه النعمة { يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل } وهو إدخال أحدهما في الآخر، قيل: بالزيادة والنقصان، وقيل: بإذهاب أحدهما بالآخر { وسخر الشمس والقمر } يجريا كما يريد { كل يجري لأجل مسمى } قيل: لوقت معلوم إلى أن تظهر أشراط الساعة { ذلكم الله ربكم } مدبر هذه الأمور { له الملك } في الدنيا والآخرة { والذين تدعون من دونه } أي يدعونه آلها وهو الأصنام { ما يملكون من قطمير } أي لا يقدرون على ذلك على قليل ولا كثير، والقطمير قشر النوى عن ابن عباس { إن تدعوهم } أي تدعو الأوثان { لا يسمعوا دعاءكم } لأنهم جماد { ولو سمعوا ما استجابوا لكم } قيل: هذا على وجه التقدير أي لو أحياهم وأسمعهم ما أجابوا ولا قدروا على معونتهم { ويوم القيامة يكفرون بشرككم } يحيي الله الأصنام يوم القيامة فتتبرأ منهم، يعني من المشركين، وقيل: المراد به الملائكة وكل معبود { ولا ينبئك مثل خبير } قيل: لا يخبرك بالصدق إلا الله لأنه عالم بكل شيء، قال جار الله: ولا يخبرك بالأمر مخبر هو مثل خبير عالم، يريد به أنه المخبر بالأمر وحده هو الذي يخبرك بالحقيقة دون سائر المخبرين.
[35.15-28]
{ يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله } أي المحتاجون إليه { والله هو الغني } لا يحتاج إلى شيء { الحميد } المستحق للحمد فله الحمد كثيرا بكرة وأصيلا { إن يشأ يذهبكم } أي لا يبعد عليه ان يشأ يهلككم { ويأت بخلق جديد } { وما ذلك على الله بعزيز } أي متعزز { ولا تزر وازرة وزر أخرى } أي لا تؤاخذ بذنب أحد { وإن تدع مثقلة } أي حاملة حملا ثقيلا { إلى حملها لا يحمل منه شيء ولو كان ذا قربى } وإن كان أقرب الناس إليه { إنما تنذر الذين يخشون ربهم } إنما خصهم لقبولهم وانتفاعهم به وإلا فهو منذر للجميع، ومعنى يخشون يخافون الله تعالى { بالغيب وأقاموا الصلاة } أداموها { ومن تزكى } قيل: تطهر من المآثم، وقيل: صلح وعمل خيرا { فإنما يتزكى لنفسه } لأن جزاؤه يصل إليه { وإلى الله المصير } المرجع للجزاء { وما يستوي الأعمى والبصير } قيل: الأعمى عن الدين والبصير به، وقيل: المؤمن والكافر { ولا الظلمات ولا النور } ، قيل: هو النور والظلمة بعينها، وقيل: ظلمات الكفر ونور الايمان { ولا الظل ولا الحررو } قيل: الجنة والنار، وقيل: هو مثل للحق والباطل { وما يستوي الأحياء ولا الأموات } قيل: أراد المؤمن والكافر { إن الله يسمع من يشاء } من عباده مواعظ فيتعظ بها وهو من له لطف { وما أنت بمسمع من في القبور } وهم الأموات شبههم بالأموات حيث لاينتفعون بما يسمعون { إن أنت إلا نذير } مخوف { إنا أرسلناك بالحق بشيرا } للمؤمنين { ونذيرا } للكافرين { وإن من أمة } من الأمم الماضية { إلا خلا فيها نذير } { وإن يكذبوك } فلا يغمك تكذيبهم إياك { فقد كذب الذين من قبلهم } من الأمم { جاءتهم رسلهم بالبينات } بالحجج { وبالزبر } بالكتب { وبالكتاب المنير } الواضح نحو التوراة والانجيل والزبور { ثم أخذت الذين كفروا } بالعقاب { فكيف كان نكير } { ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء } وهو المطر { فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها } أجناسا من الرمان والتفاح والتين والعنب وغيرهما ما لا يحصر { ومن الجبال } التي خلقها { جدد } طرائق { بيض وحمر مختلف ألوانها } الجبال { وغرابيب سود } أي بعضها أسود كالغراب، يعني ومن الجبال مختلف ألوانه كما قيل ثمرات مختلف ألوانه { ومن الناس والدواب والأنعام } الابل والبقر والغنم { مختلف ألوانه } بيض وسود وحمر وصفر ذلك { كذلك } أي جعلناه مختلفا كما جعلنا الجبال والثمار مختلفا وذلك يدل على صانع حكيم مدبر { إنما يخشى الله من عباده العلماء } الذين علموا بصفاته وعدله وتوحيده وما يجوز عليه وما لا يجوز، فعظموه وقدروه قدره وخشوه حق خشيته، ومن ازداد به علما ازداد منه خوفا، وفي الحديث:
" أعلمكم بالله أشدكم خشية "
وقال رجل للشعبي: افتني أيها العالم، فقال: العالم من خشي الله { إن الله عزيز } قادر { غفور } يغفر ذنوب عباده.
[35.29-35]
{ إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة } يعني يتلون كتاب الله يداومون على تلاوته وعن مطرف (رحمه الله) هي آية، وعن الكلبي: يأخذون بما فيه، وقيل: يعملون بما فيه ويعملون به، وعن السدي: هم أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقيل: هم المؤمنون { وأنفقوا مما رزقناهم } قيل: على سبيل الخير { سرا وعلانية } قيل: السر التطوع والعلانية الفريضة { يرجون تجارة لن تبور } وللتجارة طلب الثواب بالطاعة { ليوفيهم أجورهم } وهي ما استحقوه من الثواب { ويزيدهم } التفضيل على المستحق { إنه غفور } لمن استغفر { شكور } لمن عمل بطاعته { والذي أوحينا إليك } يا محمد { من الكتاب } وهو القرآن { مصدقا لما بين يديه } قيل: مصدق الكتب الذي بين يديه، أو أراد القيامة { إن الله بعباده لخبير بصير } أي عالم بمصالحهم وأعمالهم فيجازيهم { ثم أورثنا الكتاب } أعطينا، وقيل: هو القرآن لأمة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقيل: هو التوراة وسائر الكتب أعطاها الله الأنبياء عن أبي علي { الذين اصطفينا } اخترنا { من عبادنا } قيل: هم الأنبياء اختارهم الله تعالى، وقيل: هم أمة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقيل: هم علماء هذه الأمة كما روي: " العلماء ورثة الأنبياء " { فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات } قيل: الكناية تعود إلى العباد فمنهم ظالم لنفسه مستحق النار مصر على الذنب، والمقتصد: المؤمن المستحق للجنة، والسابق هم الذين سبقوا مع الأنبياء، ونظير هذه الآية قوله في الواقعة:
وكنتم أزواجا
[الواقعة: 7] وهذا قول أبي علي، فعلى هذا فريقان ناجيان وفرقة هالكة، وروي نحوه عن ابن عباس، وقيل: أراد بالمصطفين آدم ونوحا وآل ابراهيم وآل عمران على العالمين والله أعلم، قال الهادي (عليه السلام) في تفسيره: المراد بالآية { ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا } إلى آخرها قال: هم آل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فاختارهم لأبيهم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم ميزهم وأخبر الخلق بصفتهم لكيلا يبقى حجة عليه ولئلا يعطى طاغي على مؤمنهم بفسق فاسقهم فقال: فمنهم ظالم لنفسه وهو فاسق آل محمد، ومقتصدهم أهل الدين والورع، ومنهم سابق بالخيرات أئمة آل محمد (عليهم السلام)، وقيل: ظالم لنفسه بالصغائر، ومقتصد بالطاعة، وسابق بالخيرات في الدرجة العليا،
Bilinmeyen sayfa