168

Tefsir

تفسير الأعقم

Türler

{ ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه } هذا استفهام والمراد التقرير، يعني ليس أحد أظلم ممن ذكر بآيات ربه، قيل: بالقرآن، وقيل: سائر حجج الله فأعرض عنها { ونسي ما قدمت يداه } من الذنوب { إنا جعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه } أغطية، وقوله: أن يفقهوه : يعلموه { وفي آذانهم وقرا } وهذا على وجه التشبيه أي أعرضوا عن الدين إعراض من جعل على قلبه أكنة وكان في أذنيه وقرا، وقيل: المراد بالأكنة والوقر الختم، علامة يجعلها على قلب الكافر لتميزه الملائكة { وان تدعهم إلى الهدى فلن يهتدوا إذا أبدا } أي لا يقبلون الحق { وربك الغفور ذو الرحمة لو يؤاخذهم } يعاقبهم { بما كسبوا } من الذنوب { لعجل لهم العذاب } في الدنيا { بل لهم موعد } وهو القيامة إذا بعثوا { لن يجدوا من دونه موئلا } يعني ملجأ، وقيل: منجا، ومتى قيل: وما معنى قوله: { وربك الغفور ذو الرحمة }؟ قالوا: غفورا لذنب التائب، ذو الرحمة للمصر يمهل ولا يعاجل، وقيل: غفور يستر عليهم، ذو الرحمة منعم عليهم بالنعم، وقيل: غفور لا يؤاخذهم عاجلا وبالرحمة يؤخرهم ليتوبوا ويقبل توبتهم { وتلك القرى } إشارة إلى القرى التي تنزل بهم العذاب { أهلكناهم لما ظلموا وجعلنا لمهلكهم موعدا } أي أجلا وميقاتا، والأجل: الوقت الذي وعدوا فيه بالإهلاك، أي كما جعلنا لأولئك موعدا أأخذناهم اليه للمصلحة التي علمنا كذلك هؤلاء، ثم ذكر قصة موسى (عليه السلام) فقال سبحانه: { وإذ قال موسى لفتاه } ، قيل: عبده، وقيل: يوشع بن نون لأنه كان يحدثه ويتبعه، وقيل: كان يأخذ منه العلم { لا أبرح حتى أبلغ } يعني لا أبرح أسير { حتى أبلغ مجمع البحرين } وهو المكان الذي وعد فيه موسى لقاء الخضر، (عليهما السلام) وهو ملتقى بحر فارس والروم مما يلي المشرق، أو أسر زمانا طويلا، والحقب: ثمانون سنة، تدل الآية على أن موسى (عليه السلام) سافر لمرض واختلفوا في سنه، روي أنه لما ظهر موسى (عليه السلام) على مصر مع بني إسرائيل واستقروا بها بعد هلاك القبط أمره الله أن يذكر قومه النعمة فقام فيهم خطيبا فذكرهم الله وقال: إنه اصطفا نبيكم وكلمه، فقالوا له: قد علمنا ذلك فأي الناس أعلم؟ قال: أنا، فعتب الله عليه حيث لم يرد العلم إلى الله فأوحى إليه بل أعلم منك عبد لي عند مجمع البحرين وهو الخضر (عليه السلام)، وروي أن موسى سأل ربه: أي عبادك أحب إليك؟ قال: الذي يذكرني ولا ينساني، قال: فأي عبادك أقضى؟ قال: الذي يقضي بالحق ولا يتبع الهوى، قال: فأي عبادك أعلم؟ قال: الذي يبتغي علم الناس إلى علم نفسه عسى أن يصيب كلمة تدله على هدى وترده عن ردى، فقال: إن كان في عبادك من هو أعلم مني فادللني عليه، قال: أعلم منك الخضر، قال: أين أطلبه؟ قال: على الساحل عند الصخرة، قال: يا رب كيف لي به؟ قال: تأخذ حوتا في مكتل فحيث فقدته فهو هناك، فقال لفتاه: إذا فقدت الحوت فاخبرني، فذهبا يمشيان حتى بلغا البحر فرقد موسى فاضطرب الحوت فوقع في البحر، فلما جاء وقت الغداء طلب موسى الحوت فأخبره فتاه بوقوعه في البحر، فأتيا الصخرة فإذا رجل متسجي بثوبه فسلم عليه، وقيل: رآه على طنفسة خضراء فسلم عليه، فقال: وعليك السلام يا نبي بني اسرائيل، فقال له موسى: وما أدراك أني نبي، قال: من ذلك علي، وقيل: وصل إليه وهو يصلي فلما صلا تحدثا، فقال: يا موسى أنا على علم علمنيه الله لا تعلمه أنت، وأنت على علم لا أعلمه أنا، فلما ركبا في السفينة جاء عصفور فوقع فنقر في الماء، فقال الخضر: ما نقص علمي وعلمك مقدار ما أخذ هذا العصفور من البحر، وقيل: كانت سمكة مملوحة، وقيل: أن يوشع حمل الحوت والخبز في المكتل فنزلا على عين تسمى عين الحياة، فلما نام موسى أصاب السمكة روح الماء وبرده فعاشت، وروي أنهما أكلا منها، وروي أن يوشع توضأ من تلك العين فانفض الماء على الحوت فعاش، قيل: تركاه، وقيل: نسياه من النسيان، ومتى قيل: كيف نسياه والحوت مع يوشع؟ قالوا: كما يقال نسي القوم زادهم، وإنما نسي واحد، ويقال: نسي يوشع حمل الحوت، ونسي موسى أن يذكره { فاتخذ سبيله في البحر سربا } أي مسلكا يذهب فيه، قيل: قاما عند الصخرة فاضطرب السمك وخرجت من المكتل وسقطت في البحر، فلما استيقظ موسى من نومه نسي صاحبه أن يخبره به.

[18.62-73]

{ فلما جاوزا } ذلك المكان وألقى الله على موسى الجوع ليذكر حديث الحوت { قال لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا } تعبا { قال له } صاحبه { أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا } أي مسلكا عجبا، قيل: هذا من كلام يوشع أي عجبت من ذلك عجبا، وقيل: هو من كلام موسى، وقيل: إنجاز الماء عن مسلك الحوت فصار كوة لا يلتام، وقيل: كان لا يسير شيء من البحر إلا يبس { قال ذلك ما كنا نبغ } نطلب { فارتدا على آثارهما قصصا } { فوجدا عبدا من عبادنا } عند الصخرة قيل: هو الخضر، وسمي خضرا لأنه قعد على فروة بيضاء فاهتزت تحته خضراء، وقيل: كان إذا صلى اخضر ما حوله { قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشدا } أي علما ذا رشد أرشد به في ديني { قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا } يعني لا تعجل بالسؤال حتى أحدث لك منه ذكرا، يعني أنا أكون المخبر بذلك، فشرط موسى من نفسه الصبر وترك التعرض للسؤال وربما قد يكون الصلاح في تركه ولذلك قال تعالى:

لا تسألوا عن أشياء

[المائدة: 101] { فانطلقا } ذهبا يسيران يطلبان سفينة يركبانها، وقيل: مشيا على ساحل البحر { حتى إذا ركبا في السفينة } ، قيل: لما ركبا في السفينة قال أهل السفينة: هم لصوص، قال صاحب السفينة: ما هم لصوص لكني أرى وجوه الأنبياء، وقيل: إنهم عرفوا الخضر فأركبوه بغير عوض فلما نجحوا أخذ الخضر الفأس فخرق السفينة بأن قلع لوحا من ألواحها مما يلي الماء فجعل موسى يسد الخرق ببنانه ويقول: { أخرقتها لتغرق أهلها } لتغرق قرئ بالياء والتاء قراءة نافع { لقد جئت شيئا إمرا } أي أمرا منكرا، وقيل: ذا هيئة عظيمة، قال الغلام: { ألم أقل إنك لن تستيطع معي صبرا } فتذكر موسى ما بذل من الشرط فقال متعذرا: { لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا } ، قيل: لا تعجلني، وقيل: لا تغشني من أمري عسرا، وقيل : ساهلني ولا تلحق بي عسرا.

[18.74-82]

{ فانطلقا } سارا { حتى إذا لقيا غلاما فقتله } ، قيل: مر الخضر بصبيان يلعبون فأخذ غلاما فذبحه بالسكين قيل: كان غلاما يعمل بالفساد بالأولاد، وقيل: كان غلاما شابا وسمي غلاما لقرب عهده، وقيل: كان يقطع الطريق ويلجأ إلى أبويه فيحلفان، وروي أن الخضر نزع رأسه من بين عينيه، وقيل: ضربه برجله فقتله { قال } موسى { أقتلت نفسا زكية } طاهرة من الذنوب، وزكية: بريئة من الذنوب لأنها كانت صغيرة، يعني نفس لم تستحق القتل { لقد جئت شيئا نكرا } { قال } له الخضر: { ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا } أي نفسك لا تطاوعك وليس هذا بتوبيخ وذم وإنما هو تحقيق لما قاله له أولا من نهيه عن السؤال فقال موسى عند ذلك: { إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني } وفارقني، وإنما قال له ذلك قطعا للعذر { قد بلغت من لدني عذرا } أي أنت معذور في فراقي وقطع صحبتي { حتى إذا أتيا أهل قرية } ، قيل: أنطاكية عن ابن عباس، وقيل: الأيلة، وقيل: ليس هذه شيء { استطعما أهلها } أي سألا الطعام ويباح في سائر الشرائع للجائع وربما يجب إذا خاف الضرر { فأبوا أن يضيفوهما } أي امتنعوا أن يضيفوهما { فوجدا فيها جدارا } ، قيل: كان بناه رجل صالح وكان ظهر الطريق يمر تحته الناس، وروي أن كان طوله في السماء مائة ذراع عن وهب، وقيل: ماءتي ذراع، وطوله على وجه الأرض خمسمائة ذراع { يريد أن ينقض } أي يكاد ويقارب أن يسقط لأنه مال من أسفله، والجدار لا إرادة ولكن هذا من فصيح الكلام وإعجازه { فأقامه } ، قيل: رفع الجدار بيده فاستقام، وقيل: رفعه بمنكبه حتى قام، وقيل: هدمه ثم قعد يبنيه فقال موسى: { لو شئت لاتخذت عليه أجرا } أي جعلا وأجرة ويكون لنا عونا على سفرنا، قوله تعالى: { قال } الخضر: { هذا فراق بيني وبينك } ، قيل: هذا الوقت فراق بيني وبينك { سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا } أي لا تطاوع نفسك بالصبر عليه، ثم حكى تعالى ما بين العالم لموسى من وجه المصلحة، فيما فعل فقال تعالى: { أما السفينة فكانت لمساكين } فقراء، وقيل: كان لعشرة أخوة خمسة رببا وخمسة { يعملون في البحر } ، وقيل: كانت في أيديهم إجارة { وكان وراءهم ملك } ، قيل: امامهم، وقيل: خلفهم، وكان طريقهم في رجوعهم عليه وما كان عندهم خبره فأعلم الله به الخضر { يأخذ كل سفينة غصبا } صالحة غير معيبة، وقرأ ابن عباس كل سفينة صالحة، قيل: اسم الملك جلندى، وقيل: هودا { وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا } أي علمنا، قيل: هذا من قول الخضر، وقيل: هو من قول الله تعالى: { ان يرهقهما } أي يهلكهما { طغيانا وكفرا } وذلك مفسدة في الدين { فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما } صالحا سالما، والزكاة الطهارة، والرحم الرحمة، وروي أنه ولد لهما جارية تزوجت بنبي فولدت نبيا هدى الله على يديهما أمة من الأمم، وقيل: ولدت سبعين نبيا، وقيل: أبدلهما الله ابنا مؤمنا { وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة } ، قيل: اسمهما مريم وأضرم، فحفظ الكنز لصغرهما وضعفهما وصلاح أبيهما { وكان تحته كنز لهما } ، قيل: كان صحف علم مدفونة تحته، وقيل: مال مدفون من ذهب وفضة، وقيل: لوح من ذهب مكتوب فيه عجبا لمن يؤمن بالقدر كيف يحزن، وعجبا لمن يؤمن بالرزق كيف يتعب، وعجبا لمن يؤمن بالموت كيف يفرح، وعجبا لمن يؤمن بالحساب كيف يغفل، وعجبا لمن يعرف الدنيا وتقلبها بأهلها كيف يطمئن اليها، لا إله إلا الله محمد رسول الله، وقيل: مكتوب فيه بسم الله الرحمن الرحيم عجبا كما تقدم { وكان أبوهما صالحا } ، قيل: كان اسمه كاشح وهو أبوهما، وقيل: كان الأب الصالح السابع من أبيهما { فأراد ربك أن يبلغا أشدهما } ، قيل: ثمانية عشر سنة، وقيل: غير ذلك { ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك } أي كان ذلك نعمة منه عليهما { وما فعلته عن أمري } من تلقاء نفسي ولكن بأمر الله تعالى { ذلك تأويل ما لم تستطع عليه صبرا } أي لم تطاوع نفسك على الصبر، ثم بين تعالى قصة ذي القرنين بعد ذلك، قيل: سألت اليهود رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن قصة ذي القرنين، وقيل: قالوا للمشركين: اسألوه عن ذلك، فأنزل الله تعالى الآيات.

[18.83-89]

{ ويسألونك } يا محمد اليهود { عن ذي القرنين } هو الاسكندر الذي ملك الدنيا، قيل: ملكها مؤمنان ذي القرنين وسليمان بن داوود، وكافران نمرود بن كنعان وبخت نصر، قيل: إن ذو القرنين كان عبدا صالحا ملكه الله الأرض وأعطاه العلم والحكمة وألبسه وسخر له النور والظلمة، فإذا سار يهديه النور من أمامه وتحفظه الظلمة من خلفه، وقيل: كان نبيا، وقيل: ملكا صالحا، وعن علي (عليه السلام): " إنه سخر له السحاب ومد له الأسباب وبسط له النور " وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم):

" أنه سمي ذو القرنين لأنه طاف قرني الدنيا "

Bilinmeyen sayfa