{ واذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة } يعني عيانا، وفي هذا الكلام دليل واضح على ان من اجاز على الله الرؤية فقد جعله من جملة الاجسام والاعراض تعالى الله عن ذلك، القائلون بالرؤية هم السبعون الذين صعقوا لقوله تعالى: { فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون } قيل: اماتهم، وقيل نار من السماء وقعت عليهم فأحرقتهم، فخروا صعقين ميتين يوما وليلة، وموسى (عليه السلام) لم تكن صعقته موتا ولكن غشي عليه، وذلك ان موسى (عليه السلام) لما صعقوا جعل يتضرع ويبكي ويقول: يا رب ماذا أقول لبني اسرائيل اذا أتيتهم وقد أهلكت خيارهم، ويقولوا أفتهلكنا بما فعل السفهاء منا، ولم يزل موسى يتضرع حتى احياهم الله جميعا رجلا بعد رجل، ينظر بعضهم الى بعض كيف يحيون. { وظللنا عليكم الغمام } في التيه تقيكم حر الشمس، وذلك انهم كانوا في التيه، وليس لهم كن من الشمس، فشكوا ذلك الى موسى فأنزل الله تعالى عليهم غماما ابيض، فقالوا لموسى: هذا الظل حصل فأين الطعام فأنزل الله تعالى { المن } قيل هو شيء كالصمغ كان يقع على الأشجار وطعمه كالشهد وقيل: الخبز الرقاق، وقيل: المن العسل، وقيل: ماء يشربونه، وقيل: شيء يقع على الأشجار بالأسحار، فقالوا: يا موسى هذا المن فأين اللحم؟ فدعا الله موسى فأنزل الله تعالى عليهم { السلوى } قال عكرمة: هو طير اكبر من العصفور. { وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم } يعني ظلموا بأن كفروا هذه النعم. { وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية } قيل: بيت المقدس، وقيل: اريحا، وقيل: الاردن، وقيل: فلسطين. { وادخلوا الباب سجدا } امروا بالسجود عند الانتهاء الى الباب تواضعا لله تعالى، وقيل: بخشوع. { حطة } يعني حط عنا ذنوبنا. وعن ابن عباس قول لا اله الا الله فانها تحط الذنوب. { فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم } قيل: قالوا: مكان حطة حنطة حمراء استهزاء منهم. { فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا } قيل: الرجز العذاب، وروي انه مات منهم أربعة وعشرون ألفا في ساعة، وقيل: سبعون، وقيل: سبعون ألفا عطشا. { فقلنا اضرب بعصاك الحجر } الالف واللام في الحجر، قيل: للجنس أي حجر كان، وقيل: للعهد وكان حجرا مربعا، وقيل: مدورا، وقيل: كان مربعا له أربعة وجوه كان ينبع من كل وجه ثلاث أعين لكل سبط عين، وكانوا ستمائة ألف وسبعة، وقيل: اهبط آدم من الجنة واهبط معه الحجر وتوارثوه حتى وصل الى شعيب، فدفعه الى موسى مع العصا، وقيل: هو الحجر الذي وضع عليه ثوبه حين اغتسل اذ رموه بالأدرة. روي ان موسى ذهب يغتسل فوضع ثيابه على حجر فمر الحجر بثوبه، فخرج موسى في أثره يقول: ثوبي ثوبي يا حجر، حتى نظرت بنو اسرائيل الى موسى فقالوا: والله ما بموسى من بأس، قال: فقام بعدما نظروا اليه فأخذ ثوبه فطفق بالحجر ضربا وهو من قوله عز وجل:
آذوا موسى
[الأحزاب: 69] الآية والله أعلم بصحة الخبر.
[2.61-66]
{ يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها } البقل المعروف. { وفومها } قيل: الحنطة، وقيل: الثوم، ويدل عليه قراءة ابن مسعود وثومها. { تستبدلون الذي هو أدنى } أدون منزلة، وأدون قدرا. { اهبطوا مصرا } قيل: هي مصر المعروفة، وقيل: انها مصر من أمصار الشام. { وضربت عليهم الذلة والمسكنة } جعلت الذلة محطية بهم، مشتملة عليهم، والمسكنة هي الفقر. { إن الذين آمنوا } بألسنتهم وهم المنافقون. { والذين هادوا } وهم اليهود وسموا بذلك لأنهم يهودون اي يتحركون اذا قرأوا التوراة، وقيل: نسبوا الى يهود بن يعقوب. { والنصارى } قيل: سموا بذلك لأن الحواريين قالوا: نحن أنصار الله، وقيل: نسبوا الى بلدهم قرية يقال لها ناصرة. { والصابئين } وهم قوم عدلوا عن دين اليهودية والنصرانية وعبدوا الملائكة. { من آمن بالله } من هؤلاء. { وعمل صالحا } ايمانا خالصا ودخل في ملة الإسلام. { فلهم أجرهم } الآية، { وإذ أخذنا ميثاقكم } بالعمل على ما في التوراة. { ورفعنا فوقكم الطور } وهو الجبل وذلك ان الله تعالى أنزل التوراة على موسى فأمر قومه بالعمل بها فقالوا: يا موسى تكليفها شديد وأبوا، فأمر الله تعالى جبرائيل فقطع جبلا على قدر معسكرهم فرفعه فوق رؤوسهم مقدار قامة. وعن ابن عباس أمر الله جبلا فقطع من أصله حتى قام على رؤوسهم حتى كأنه ظلة فلما رأوا ذلك قبلوا وقالوا: سمعنا وأطعنا ولولا الجبل ما أطعنا، روي ذلك في الثعلبي. { خذوا ما آتيناكم } من الكتاب { بقوة } اي بجد وعزيمة. { ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت } لأن ناسا منهم اعتدوا فيه أي جاوزوا ما حد لهم، وذلك ان الله تعالى ابتلاهم فما كان يبقى حوت في البحر الا أخرج خرطومه يوم السبت، فإذا مضى تفرقت كما قال تعالى:
تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا ويوم لا يسبتون لا تأتيهم كذلك نبلوهم
[الأعراف: 163] فاتخذوا حياضا عند البحر وكان الحيتان يدخلها يوم السبت فيصطادوها يوم الاحد فذلك اعتداءهم. { فقلنا لهم كونوا قردة } قيل: صاروا قردة لم يأكلوا ولم يشربوا حتى ماتوا، وقيل: عاشوا وصار لهم أولاد ونسل، وقيل: الخاسئون هم الذين لا يتكلمون، وقيل: الخاسئ المتباعد بطرد، قيل: قرية السبت ايلة، وقيل: الطبرية وكانوا سبعين ألفا. { فجعلناها } يعني المسخة. { نكالا } عبرة. { لما بين يديها } لما قبلها. { وما خلفها } وما بعدها من الأمم والقرون، وقيل: عقوبة منكلة لما بين يديها يعني لأجل ما يقدمها من ذنوبهم. { وموعظة للمتقين } الذين نهوهم عن الاعتداء من صالحي قومهم.
[2.67-74]
{ وإذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة } الآية، قال الثعلبي: وذلك أنه وجد قتيل من بني اسرائيل اسمه عاميل ولم يدروا من قتله واختلفوا في سبب قتله، قيل: كان رجلا كثير المال وله ابن عم مسكين لا وارث له غيره فلما طال عليه موته قتله ليرثه، وقيل: كان لعاميل هذا ابنة يضرب بها المثل في بني اسرائيل في الحسن والجمال فقتل ابن عمها أباها لينكحها، وقيل: قتله ابن أخيه لينكح ابنته فلما قتل حملوه من قرية الى قرية أخرى وألقوه هناك، وقيل: بل بين قريتين فسألوا موسى عن ذلك فسأل ربه وأمرهم بذبح بقرة فقال لهم موسى: { إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة } قالوا: يا موسى أتهزأ بنا سألناك عن القتيل وتأمرنا بذبح بقرة؟! وفي الحديث عنه (صلى الله عليه وآله وسلم):
" لو اعترضوا أدنى بقرة لكفتهم ولكن شددوا فشدد الله عليهم "
Bilinmeyen sayfa