[50]
وقوله عز وجل : { وإذ فرقنا بكم البحر فأنجيناكم } ، وذلك أنه لما دنا هلاك فرعون أمر الله موسى أن يسري ببني إسرائيل من مصر ؛ فأمر موسى قومه أن يسرجوا في بيوتهم إلى الصبح. وألقى الله على القبط الموت ؛ فاشتغلوا بدفنهم ، وخرج موسى في ستمائة ألف وعشرين ألفا سوى الذرية. وكان موسى على ساقتهم وهارون على مقدمتهم ، فخرج فرعون على طلبهم وعلى مقدمته هامان في ألف ألف وسبعمائة ألف ، وسار بنو إسرائيل حتى وصلوا البحر والماء في غاية الزيادة. ونظروا فإذا هم بفرعون وقومه وذلك حين أشرقت الشمس. فبقوا متحيرين ؛ قالوا : يا موسى كيف نصنع ؛ وما الحيلة وفرعون خلفنا والبحر أمامنا ؟ فقال موسى : (كلا ؛ إن معي ربي سيهديني). فأوحى الله إليه : { أن اضرب بعصاك البحر }[الشعراء : 63] فضربه فلم ينفلق. فأوحى الله إليه : أن كنه ؛ فضربه بعصاه وقال : انفلق أبا خالد بإذن الله عز وجل.{ فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم }[الشعراء : 63]. وظهر فيه اثنا عشر طريقا ؛ لكل سبط طريق ، وأرسل الله الريح والشمس على قعر البحر فصار يبسا ؛ فخاضت بنو إسرائيل البحر كل سبط في طريق ، وعن جانبيه الماء كالجبل الضخم لا يرى بعضهم بعضا ، فخافوا! وقال كل سبط : قد قتل إخواننا ، فأوحى الله إلى جبال الماء : تشبكي فصار الماء شبكات يرى بعضهم بعضا ويسمع كلام بعض ؛ حتى عبروا البحر سالمين. فذلك قوله تعالى : { وإذ فرقنا بكم البحر } أي فلقناه وصيرنا الماء يمينا وشمالا. وقوله : { فأنجيناكم } أي من الغرق ومن آل فرعون.
وقوله : { وأغرقنا آل فرعون } ؛ وذلك أن فرعون لما وصل إلى البحر ورآه منفلقا. قال لقومه : أنظروا إلى البحر انفلق من هيبتي حتى أدرك أعدائي وعبيدي الذين أبقوا فأقتلهم ؛ ادخلوا البحر. فهاب قومه أن يدخلوه ؛ ولم يكن في خيل فرعون أنثى ، فجاء جبريل على فرس أنثى ودنا فتقدمهم وخاض البحر ، فلما شمت خيول فرعون ريحها اقتحمت البحر في أثرها حتى خاضوا كلهم البحر ، وجاء ميكائيل على فرس خلف القوم يحثهم ويقول لهم : إلحقوا بأصحابكم ، حتى إذا خرج جبريل من البحر وهم أولهم أن يخرج. أمر الله البحر أن يأخذهم ؛ فالتطم عليهم ؛ فغرقوا جميعا وذلك بمرأى من بني إسرائيل ، فذلك قوله تعالى : { وأغرقنا آل فرعون } { وأنتم تنظرون } ؛ إلى مصارعهم.
Sayfa 54