[126]
قوله تعالى : { وإذ قال إبراهيم رب اجعل هاذا بلدا آمنا } ؛ يعني مكة والحرم آمنا من الجدب والقحط ، وقيل : من الحرب. قوله تعالى : { وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر } ؛ لا يكون إلا ويوجد فيه أنواع الثمرات ، فأحب إبراهيم أن لا يأكل طعام الله إلا الموحدون ؛ فأعلمه الله أن لا يخلق خلقا إلا يرزقه ، فذلك قوله تعالى : { قال ومن كفر فأمتعه قليلا } ؛ أي سأرزقه في الدنيا يسيرا. قيل : خشي إبراهيم أن لا يستجاب له في الرزق كما لم يستجب له في الإمامة ؛ فخض المؤمنين في المسألة في الرزق ، فأعلمه الله أن المؤمن والكافر في الرزق سواء.
قوله تعالى : { من آمن منهم } في موضع نصب بدل من { أهله } بدل بعض من كل كقوله تعالى : { ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا }[آل عمران : 97]. وقوله تعالى : { ومن كفر فأمتعه قليلا } ؛ أي فسأرزقه إلى منتهى أجله. قرأ ابن عامر : (فأمتعه) بفتح الألف وجزم العين ، (ثم أضطره) موصولة الألف مفتوحة الراء على جهة الدعاء من إبراهيم عليه السلام ، وقرأ الباقون بالتشديد. وقوله تعالى : { ثم أضطره إلى عذاب النار } ؛ أي ألجئه إلى عذاب النار في الآخرة ، { وبئس المصير } ؛ أي بئس المرجع يصير إليه.
واختلفوا في مكة : هل كانت حرما آمنا قبل دعاء إبراهيم ؛ أم صارت كذلك بدعائه ؟ قيل : إنما صارت كذلك بدعائه ، بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إني حرمت المدينة كما حرم إبراهيم مكة " والأصح : أنها كانت حرما آمنا قبل دعائه بدليل قوله عليه الصلاة والسلام : " إن الله حرم مكة يوم خلق السموات والأرض ووضعها بين أخشبين " أي جبلين ؛ فعلى هذا كانت أمنا قبل دعائه من الخسف والاصطلام لأهله.
وكان الله قد جعل في قلوب الناس هيبة ذلك المكان حتى كانوا لا ينتهكون حرمة من كان فيه بمال ولا بنفس ، ثم بدعاء إبراهيم صارت حرما آمنا بأن أمر الله الناس بتعظيمه على ألسنة الرسل. والواو في قوله { ومن كفر } دليل على إجابة الله دعوة إبراهيم خاصة.
Sayfa 120