Tafseer Hadaiq Al-Rooh Wal-Reyhan Fi Rawabi Uloom Al-Quran
تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن
Yayıncı
دار طوق النجاة
Baskı Numarası
الأولى
Yayın Yılı
١٤٢١ هـ - ٢٠٠١ م
Yayın Yeri
بيروت - لبنان
Türler
تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن
تأليف
الشيخ العلامة محمد الأمين بن عبد الله الأرمي العلوي الهرري الشافعي
المدرس بدار الحديث الخيرية في مكة المكرمة
إشراف ومراجعة
الدكتور هاشم محمد علي بن حسين مهدي
خبير الدراسات برابطة العالم الإسلامي - مكة المكرمة
دار طوق النجاة
Bilinmeyen sayfa
الجزء الأول
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
بين يدي الكتاب
الحمد لله رافع منازل المتمسكين بالذكر المبين، وهادي المؤمنين المتقين، الذين يتلونه آناء الليل وأطراف النهار، ويتدبرون آياته للعمل والموعظة والادّكار، تكفل سبحانه بحفظه؛ فلم يغير صفاءه كدر التحريف، ولم تحم حوله أخطاء التصحيف، فنحن نقرؤه اليوم كما نزل به الروح الأمين على قلب سيدنا محمد ﷺ.
والصلاة والسلام الأتمان الأدومان الأكملان على من أرسله الله تعالى رحمة للعالمين، وسراجا منيرا للمخبتين، وعلى آله الطهر الميامين، وصحابته أجمعين.
أما بعد:
فقد أرسل المولى سبحانه رسوله بالهدى ودين الحق، وأنزل عليه القرآن مصدقا لما بين يديه من الكتاب، ليدّبّروا آياته وليتذكر أولو الألباب، كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم، فهو المعجزة الخالدة الذي فاق كل بيان، وأخرس كل لسان، وأبهر أهل الفصاحة من قحطان وعدنان، بل تحدّى الجن والإنس أن يأتوا بسورة من مثله فعجزوا، فكان المعجزة الدائمة، والبرهان الصادق، على ما أتى به رسوله من حقائق.
دامت لدينا ففاقت كل معجزة ... عن النبيين إذ جاءت ولم تدم
تقديم / 1
من اتبع هداه .. فقد فاز برضاه، وكانت الجنة مأواه، وأما من خالفه وأباه .. فقد اتخذ إلهه هواه، لا يزيغ عنه إلا هالك، ولا يجحده إلا مكابر.
هذا؛ ولقد نزل القرآن الكريم بلغة العرب، وعلى نهج أساليبهم في الكلام، كما قال سبحانه: ﴿وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ﴾.
وكان الصحابة يفهمونه في جملته، ويعملون بمحكمه، ويؤمنون بمتشابهه، وكانوا يرجعون إلى المأمور بالبيان ﷺ، لمعرفة التفاصيل والدقائق.
واشتهر عدد كبير من الصحابة بالتفسير، كالخلفاء الأربعة، وابن مسعود، وابن عباس، وأبيّ بن كعب، وغيرهم، فكانت مصادرهم القرآن نفسه؛ لأن كثيرا من آياته يفسر بعضها بعضا، وما أجمل في موضع .. قد يأتي تفصيله في مواضع أخرى، حتى إن بعض المفسرين ألّفوا كتبا خاصة في تفسير القرآن بالقرآن.
المصدر الثاني لتفسيرهم هو السنة النبوية، وهذا ما يطلق عليه التفسير بالسنة.
هذا؛ بالإضافة إلى لغتهم التي نزل بها القرآن، وقد كانوا من خلّص العرب، وهم أقعد بمعرفة اللغة ومناحيها وأساليبها، وعندهم ديوان العرب، الشعر الذي كانوا يستجلون منه غريب القرآن، وطرق الأساليب، وكانوا معتمدين في ذلك على الرواية في حفظها وتبليغها، وحين بدأ المسلمون بتدوين علومهم ولا سيما علم الحديث .. كان مندرجا ضمن السنة، ثم انفصل تدريجيا عنها.
وبدأت المرحلة الأولى للتأليف المستقل في تفسير القرآن العظيم، وقد
تقديم / 2
تمثلت في التأليف في غريب القرآن، التي اقتصرت فيه هذه المرحلة على تفسير الكلمات الغريبة التي تحتاج إلى بيان، وذلك ككتب الرؤاسي (ت ١٧٠ هـ)، والكسائي (ت ١٨٩ هـ)، والفرّاء (ت ٢٠٧ هـ).
ثم تلا ذلك المرحلة الثانية: وهي التفسير الكامل للقرآن الكريم، كتفاسير «ابن ماجه» (ت ٢٧٣ هـ)، و«ابن جرير الطبري» (ت ٣١٠ هـ)، و«ابن المنذر» (ت ٣١٨ هـ)، و«ابن أبي حاتم» (ت ٣٢٧ هـ)، فكانت هذه المؤلفات جامعة لتفسير الغريب، وما ورد من الآثار في معنى الآيات، وأسباب نزولها من الأحاديث وأقوال الصحابة والتابعين، وهذا ما يطلقون عليه: التفسير بالمأثور.
ولذا نجد هؤلاء يعتمدون في النقل على الأسانيد، وربما يذكرون عدة آراء في معنى الآية الواحدة، حتى صح أن يطلق على هذه التفاسير:
التفاسير الموسوعية، كتفسير ابن جرير الطبري. المسمى «جامع البيان»، وهو مطبوع متداول، وقد حقق نحو نصفه العلّامة المحدث أحمد محمد شاكر، إلا أن المنية اخترمته قبل أن يتمه وأتمه أخوه العلامة محمود محمد شاكر ﵀ وطبع في دار المعارف بمصر.
ثم تدرج التفسير في سلم التوسع، فدونت في أثناء التفسير العلوم العقلية أيضا، وكان من الطبعي أن يتضخم وتتسع أطرافه، لشحنه بالمعارف العامة والعلوم المتنوعة والآراء، بل والعقائد أيضا، فقد امتزج التفسير بذلك كله، وكثير من البارعين في فنون معينة من علوم اللغة وغيرها فسروا القرآن من زاوية تخصصهم؛ لأن عندهم من الملكات العلمية في تلك المجالات ما يستطيعون أن يبدعوا ويفيدوا، وبهذا تعددت الاتجاهات للمفسرين.
تقديم / 3
- فمنهم من عني بالتفسير اللغوي وما يتصل به، فكثر في منهجه التخريجات الإعرابية، والوجوه النحوية، وأكثر من الشواهد نظما ونثرا، ومنهم الزجاج، والواحدي في «البسيط»، وأبو حيان في «البحر المحيط».
- ومنهم من اتجه في تفسيره إلى مقارعة الفلاسفة، وذكر شبههم والرد عليها، والتوسع في هذا الميدان، كالفخر الرازي في تفسيره «مفاتيح الغيب».
- ومنهم من عني باستنباط الأحكام الشرعية، وإيراد الفروع الفقهية، كل وفق مذهبه، مع الرد على من خالفه من أصحاب المذاهب الأخرى، كما فعل الجصاص الحنفي في «أحكام القرآن»، والقرطبي المالكي في تفسيره «الجامع لأحكام القرآن» (١).
- وهناك تفاسير أخرى لها اتجاهات أخرى، إما عقائدية ك «تفسير القاضي عبد الجبار» و«الزمخشري»، أو تاريخية عني مؤلفوها كثيرا بالقصص وأخبار الأمم السالفة، ك «تفسير الثعلبي» و«الخازن».
والخلاصة: أن القرآن العظيم لا زال علماء الدين وغيرهم يغترفون من مناهله الروية، ويستنبطون من نصوصه الإلهية، فيواكب كل مصر، ويتلاءم مع كل عصر، ويهتدون منه إلى ما يقيم الحجة على أهل الزيغ والعناد، وما يثبت أنه منزل من رب العباد.
وقد قام العلماء الأجلة في العصر الحديث بجهودهم في هذا الميدان، فكتبوا فيه تأسيا بالسلف، فتراهم بين مؤلف جامع لأشتات التفاسير وبين مهذب لمطولاتها، ومنقح لما ورد من الإسرائيليات والحشو فيها، فبعضهم كانت غايته التبسيط والتهذيب والبيان، وبعضهم زاد فأفاد وألف فأجاد،
_________
(١) انظر بتوسع أكثر في مقدمة «تفسير ابن كثير» (١/ ١٦ - ١٨) ط دار المعرفة بيروت.
تقديم / 4
فترى المكتبة الإسلامية الحديثة قد حوت أصنافا من المؤلفات المعاصرة في التفسير، منها على سبيل التذكير لا الحصر: «تفسير الشيخ طنطاوي جوهري»، «تفسير الشيخ محمد متولي الشعراوي»، «التفسير المنير» للدكتور الزحيلي، «صفوة التفاسير» للدكتور الصابوني، «تفسير آيات الأحكام» للدكتور السايس، «إعراب القرآن الكريم» لمحيي الدين درويش، وغيرها الكثير الكثير.
هذا؛ وإن من أجل كتب التفسير المعاصرة، وأوسعها وأنفسها كتاب «حدائق الروح والريحان» فإنه جمع فيه ما تفرق في غيره، وأوعب فأحسن، وانتقى فوفّق وأجمل؛ فقد ضمن هذا التفسير من الفرائد والفوائد، والعلوم واللطائف والنفائس المستجادات، ما تقر به أعين أهل العلم، وتقيده أفكار المستفيدين من تفسير الكتاب المبين، فإن هذا التفسير أكبر دليل للمقولة الشائعة: (كم ترك الأول للآخر) فقد جمع فأوعى، وبسط القول فشفى، وبحث فاستوفى، وأدنى عويص المسائل؛ فإذا هي على طرف الثمام، وقرّب ما كان بعيد المنال؛ فإذا هو داني الجنى، وجمع شتيت المعارف، فنظمها في سلك واحد، واصطفى من الآراء أرجحها، ومن الأقوال أقواها، وأرسل أشعة البيان في كافة مناحي التفسير، فحشدها في صعيد واحد، وضم شمل المتفرق، في أسلوب الراسخ المحقق، وطريقة العلم المدقق.
والعلماء على اختلاف مشاربهم وتخصصاتهم سيجدون في هذا التفسير ما ينشدونه من علم، وما يميلون إليه من فن، الكلّ سيجد فيه بغيته، وسيرتوي من منهله الروي، ويقطف من ثمره الشهي، فهو تفسير يغني عن غيره، ولا يغني عنه غيره، إلا أن غيره من روافده.
- فمن كان يبحث عن تفسير آية بالمأثور، ويريد الوقوف على أقوال الصحابة والتابعين فيها .. فسيصادف مطلبه، إضافة إلى التفسير العام.
تقديم / 5
- ومن كان همه معرفة النواحي اللغوية، والوقوف على الوجوه النحوية، أو الإعراب التفصيلي .. فإن هذا التفسير من خير ما يعرض هذه المباحث.
- ومن كان مغرما بالبلاغة القرآنية، وإعجازه البياني .. فإن هذا التفسير قد جعل من منهجه التحدث عن هذا الفن بعد كل مجموعة من الآيات.
- ومن كان منقّبا عن القراءات ووجوهها، محاولا الإحاطة بها وبمن قرأ بها .. فإن هذا المبحث من جملة الفنون التي اعتنى بها هذا التفسير.
- ومن يريد التفقه في الدين، واستنباط الأحكام الشرعية من النصوص القرآنية، ومعرفة آراء الأئمة الفقهاء في ذلك .. فعليه أن يتصفح هذا الكتاب الجليل.
وهكذا .. نجد أن بروز مثل هذا الكتاب في عالمنا المعاصر يختصر لنا الطريق، ويمهد لنا لمعرفة كثير من الفنون، دون الحاجة إلى الرجوع إلى عدة مصادر قديمة يحتاج البحث فيها إلى جهد ووقت، وما أضيق أوقات المعاصرين.
وفي الختام: أتقدم بالشكر إلى اللجنة التي قامت بتصحيح ومراجعة الطبعة الأولى لهذا التفسير، والتي تشرفت برئاستها
ومتابعة أمورها، فلله الحمد والمنة.
وقد أكرمنا الله ﷾ بأخذ إجازة من المؤلف متع الله بحياته في جميع مروياته وعلومه، وقد أشار علينا المؤلف بأن نكون أول من يتدارس هذا التفسير مع طلبة العلم، فجزاه الله خير الجزاء.
ويسرنا أن نبشر القراء بأنه قريبا سيصدر للمؤلف متع الله بحياته شرح واف ل «صحيح الإمام مسلم» في ستة عشر مجلدا، والمسمى «الكوكب الوهاج والروض البهاج على صحيح مسلم بن الحجاج».
تقديم / 6
نسأل الله أن ينفع بالمؤلف وعلومه، وأن يجعلنا خداما لكتابه وسنة نبيه محمد ﷺ، وأن يكتب الأجر والثواب لكل من ساهم ويساهم في إخراج وتحقيق ونشر التراث الإسلامي الخالد بحاله ومقاله وماله، فلله الحمد والمنة، والصلاة والسلام على صاحب القرآن والسنة، وعلى آله وصحبه والوارثين للعلم والحكمة.
وكتبه أ. د. هاشم محمد علي مهدي مستشار الدراسات والبحوث برابطة العالم الإسلامي - مكة المكرمة في العشر الأواخر من رمضان سنة (١٤٢٥ هـ)
تقديم / 7
مقدمة التفسير
المسماة
«نزل كرام الضيفان في ساحة حدائق الروح والريحان»
تأليف
الشيخ العلامة محمد الأمين بن عبد الله الأرمي العلوي الهرري الشافعي
المدرس بدار الحديث الخيرية في مكة المكرمة
ترجم للمؤلف وقدم له تلميذه
الدكتور هاشم محمد علي بن حسين مهدي
خبير الدراسات برابطة العالم الإسلامي - مكة المكرمة
Bilinmeyen sayfa
حقوق الطبع محفوظة للناشر
الطبعة الأولى
١٤٢١ هـ - ٢٠٠١ م
دار طوق النجاة
بيروت - لبنان
المقدمة / 3
مقدمة التفسير
المسماة
«نزل كرام الضيفان في ساحة حدائق الروح والريحان»
المقدمة / 4
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
ترجمة وتقديم
الحمد لله واهب النعم ودافع النقم، وأشهد أن لا إله إلا الله الذي علّم بالقلم علّم الإنسان ما لم يعلم، والصلاة والسلام على عبده الأكرم سيد العرب والعجم، وعلى آله وصحبه وكل عالم ومتعلّم.
أما بعد فقد أذن لي مؤلّف «حدائق الروح والريحان» وهو العالم الجهبذ والعلّامة النحرير فريد عصره وأوانه متّع الله بحياته ونفع بعلومه؛ بأن أرتّب وأراجع وأحقّق سفره العظيم .. وأجازني كذلك في جميع مؤلفاته ومروياته من فنون العلم وصنوف المعرفة في هذا الدين التي نقلها العدول من هذه الأمة خير خلف عن خير سلف فلله الحمد والمنة.
وإنه ليشرّفني التعريف بهذا الحجة العلم والمقيم بأرض الحرم فأقول هو محمد أمين بن عبد الله بن يوسف بن حسن أبو ياسين الأرمي جنسا، العلوي قبيلة، الأثيوبي دولة، الهرري منطقة، الكري ناحية، البويطي قرية، السلفي مذهبا، السعودي إقامة نزيل مكة المكرمة جوار الحرم الشريف في المسفلة حارة الرشد.
المقدمة / 5
مولده: ولد في الحبشة في منطقة الهرر في قرية بويطه في عصر يوم الجمعة أواخر شهر ذي الحجة، سنة ألف وثلاثمائة وثمان وأربعين من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلوات وأزكى التحيات.
نشأته: ترّبى بيد والده وهو يتيم عن أمه، ووضعه عند المعلّم وهو ابن أربع سنين، وتعلّم القرآن وختمه وهو ابن ست سنين، ثمّ حوّله إلى مدارس علوم التوحيد والفقه، وحفظ من توحيد الأشاعرة «عقيدة العوام» للشيخ أحمد المرزوقي، و«الصغرى»، و«صغرى الصغرى»، و«الكبرى»، و«كبرى الكبرى» للشيخ محمد بن يوسف السنوسي؛ لأن أهل الحبشة كانوا وقتئذ من الأشاعرة، وحفظ من مختصرات فقه الشافعية كثيرا، ك «مختصر بافضل الحضرمي»، و«مختصر أبي شجاع» مع «كفاية الأخيار»، و«عمدة السالك» لأحمد بن النقيب، «وزبد أحمد بن رسلان» وهي ألفية في فقه الشافعية، وقرأ «المنهاج» للإمام النووي مع شرحه «مغني المحتاج»، و«المنهج» لشيخ الإسلام الأنصاري مع شرحه «فتح الوهاب»، وقرأ كثيرا من مختصرات كتب الشافعية ومبسوطاتها على مشايخ عديدة من مشايخ بلدانه.
رحلته: ثم رحل إلى شيخه سيبويه زمانه، وفريد أوانه أبي محمد الشيخ موسى بن محمد الأدّيلي (١)، وبدأ عنده دراسة الفقه، بدأ بشرح جلال الدين المحلي على «منهاج» النووي، ثم بعد ما
_________
(١) الأديلي - بفتح الهمزة وتشديد الدال المفتوحة -: نسبة إلى أديل من أعمال دردوا.
المقدمة / 6
وصل إلى كتاب (السّلم) حوّله شيخه المذكور - رحمه الله تعالى - إلى دراسة النحو لما رأى فيه من النجابة والاجتهاد في العلم، وقرأ عليه مختصرات النحو، ك «متن الأجرومية» وشروحها العديدة، و«متن الأزهرية» و«ملحة الإعراب» مع شرحه «كشف النقاب» لعبد الله الفاكهي، و«قطر الندى» مع شرحه «مجيب النّدا» لعبد الله الفاكهي، وقرأ «الألفية» لابن مالك مع شروحها العديدة، ك «شرح ابن عقيل»، و«شرح المكودي»، و«شرح السيوطي»، ثم اشتغل بكتب الصرف والبلاغة والعروض والمنطق والمقولات والوضع، واجتهد فيها وحفظ «ألفية ابن مالك» و«ملحة الإعراب» و«لامية الأفعال» و«السلّم» في المنطق، و«الجوهر المكنون» في البلاغة، وكان لا ينام كل ليلة حتى يختم القصائد المذكورة حفظا، وكان قليل النوم في صغره إلى كبره، حتى أنه كان لا ينام غالبا بعد ما كبر إلا أربع ساعات من أربع وعشرين ساعة لكثرة اجتهاده في مذاكرة العلم، وكان يدرّس هذه الفنون جنب حلقة شيخه، مع دراسته على الشيخ المذكور، ثم رحل من عنده بعد ما لازمه نحو سبع سنوات إلى شيخه خليل زمانه، وحبيب عصره وأوانه الشيخ محمد مديد الأدّيلي أيضا، وقرأ عنده مطولات كتب النحو ك «مجيب الندا على قطر الندى»، و«مغني اللبيب» كلاهما لابن هشام، و«الفواكه الجنيّة على المتممة الآجرومية»، وغير ذلك من مطولات علم النحو، وكان يدرّس أيضا جنب حلقة شيخه، وقرأ عليه أيضا التفسير إلى سورة يس.
المقدمة / 7
ثم رحل من عنده بعد ما لازمه ثلاث سنوات، إلى شيخه الشيخ الحاوي، المفسّر في زمانه، الشيخ إبراهيم بن يس الماجتي (١)، فقرأ عليه التفسير بتمامه والعروض من مختصراته ومطولاته ك «حاشية الدمنهوري الكبير على متن الكافي»، و«شرح شيخ الإسلام الأنصاري على المنظومة الخزرجية»، و«شرح الصبان» على منظومته في العروض، وقرأ عليه أيضا مطولات المنطق والبلاغة ولازمه نحو: ثلاث سنوات.
ثم رحل من عنده إلى الشيخ الفقيه الشيخ يوسف بن عثمان الورقي (٢)، وقرأ عليه مطولات علم الفقه ك «شرح الجلال المحلى على المنهاج»، و«فتح الوهاب على المنهج» لشيخ الإسلام مع «حاشيته» لسليمان البجيرمي، و«حاشيته» لسليمان الجمل، و«حاشية التوشيح على متن أبي شجاع»، و«مغني المحتاج» للشيخ الخطيب إلى كتاب (الفرائض)، وقرأ عليه غير ذلك من كتب الفرائض ك «حواشي الرّحبية» و«الفرات الفائض في فن الفرائض» وهو كتاب جيد من مطولاتها، ولازمه نحو: أربع سنوات.
ثم رحل من عنده إلى الشيخ إبراهيم المجّي (٣) وقرأ عليه فتح الجواد لابن حجر الهيتميّ على متن الإرشاد لابن المقرىء الجزئين الأولين منه.
_________
(١) الماجتي: نسبة إلى ماجة من بلاد ولّو.
(٢) الورقيّ: نسبة إلى ورقة من أعمال مدينة هرر.
(٣) المجّي: نسبة إلى قبيلة من قبائل نولي.
المقدمة / 8
ثم رحل من عنده إلى شيخ المحدثين الشيخ الحافظ الفقيه الشيخ أحمد بن إبراهيم الكري، وقرأ عليه «البخاري» بتمامه و«صحيح الإمام مسلم» وبعض كتب الاصطلاح.
ثم رحل من عنده إلى مشايخ عديدة، وقرأ عليهم «السنّن الأربعة»، و«الموطأ» وغير ذلك من كتب الحديث مما يطول بذكره الكلام، ثم رحل من عندهم إلى شيخ عبد الله نورو القرسيّ (١)، فقرأ عليه مطولات كتب البلاغة ك «شروح التلخيص» لسعد الدين التفتازاني وغيره، ومطولات كتب أصول الفقه ك «شرح جمع الجوامع» لجلال الدين المحلي، وقرأ عليه من النحو «حاشية الخضريّ على ابن عقيل».
وقرأ على غير هؤلاء المشايخ كتبا عديدة من فنون متنوعة مما يطول الكلام بذكره من كتب السيرة، وكتب الأمداح النبوية ك «بانت سعاد» و«همزية البوصيري» و«بردته» و«القصيدة الوترية» و«الطرّاف والطرائف وإضاءة الدجنّة» ألفية في كتب الأشاعرة، وغير ذلك مما يطول الكلام بذكره، وكان يدرّس مع دراسته جنب حلقة مشايخه ما درس عليهم من أربع عشرة سنة من عمره.
ثم استجاز من مشايخه هؤلاء كلهم التدريس، استقلالا في ما درس عليهم فأجازوا له، فبدأ التدريس استقلالا في جميع الفنون، في أوائل سنة ألف وثلاثمائة وثلاث وسبعين، في اليوم
_________
(١) القرسي: نسبة إلى قرسا ناحية من أعمال دردوا.
المقدمة / 9
الثاني عشر من ربيع الأول ١٢/ ٣/ ١٣٧٣ من الهجرة النبوية، فاجتمع عنده خلق كثير من طلّاب كلّ الفنون زهاء ستمائة طالب، أو سبعمائة طالب وكان يدرس من صلاة الفجر إلى صلاة العشاء الآخرة نحو: سبع وعشرين حصة من حصص الفنون المتنوعة، وكان يحيي ليله دائما بكتابة التآليف وبما قدّر الله له من طاعته.
والله أعلم
* * *
المقدمة / 10
ومؤلفاته كثيرة من كل الفنون حتى أوشكت إلى أن لا تحصى، والمطبوع المنتشر منها اثنا عشر كتابا:
[من النحو]
١ - «الباكورة الجنية في إعراب متن الآجرومية».
٢ - «الفتوحات القيومية في علل وضوابط متن الآجرومية».
٣ - «الدرر البهية في إعراب أمثلة الآجرومية».
٤ - «جواهر التعليمات شرح على التقريظات ومقدمة علم النحو».
٥ - «هدية أولي العلم والإنصاف في إعراب المنادى المضاف».
* ومن الصرف:
٦ - «مناهل الرجال على لامية الأفعال».
٧ - «تحنيك الأطفال على لامية الأفعال».
* ومن المصطلح:
٨ - «الباكورة الجنية على منظومة البيقونية».
٩ - «هداية الطالب المعدم على ديباجة صحيح مسلم».
١٠ - «خلاصة القول المفهم على تراجم رجال صحيح مسلم» مجلدان.
المقدمة / 11
* ومن كتب الأسماء والصفات:
١١ - «هدية الأذكياء على طيبة الأسماء في توحيد الأسماء والصفات».
١٢ - «سلّم المعراج على خطبة المنهاج» للإمام النواوي.
وغير المطبوع منها من الفنون المتنوعة:
* من التفسير:
١٣ - «حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن» اثنان وثلاثون مجلدا جمع فيه سبعة فنون، بل ثمانية، بل تسعة لم يسبق له نظير من كتب التفسير وهو الذي ننشر مقدمته الآن.
* ومن النحو:
١٤ - «حاشية على كشف النقاب على ملحة الإعراب».
١٥ - «هدية الطلاب في إعراب ملحة الإعراب».
١٦ - «الصور العقلية على تراجم الألفية» لابن مالك.
١٧ - «التقريرات على حاشية الخضري على الألفية».
١٨ - «حاشية على الفواكه الجنية على متمّمة الآجرومية».
١٩ - «التقريرات على مجيب النّدا على قطر النّدى» كلاهما لعبد الله الفاكهي.
المقدمة / 12
* ومن البلاغة:
٢٠ - «الدرّ المصون على الجوهر المكنون» لعبد الرحمن الأخضري.
٢١ - «التقريرات على مختصر سعد الدين، على التلخيص».
* ومن المنطق:
٢٢ - «الكنز المكتّم على متن السّلّم» للأخضري أيضا.
٢٣ - «التذهيب على متن التهذيب في المنطق».
* ومن العروض:
٢٤ - «الفتوحات الربانية على منظومة الخزرجية في العروض».
٢٥ - «التبيان على منظومة الصبان في العروض».
* ومن الحديث:
٢٦ - «النهر الجاري على تراجم البخاري ومشكلاته».
٢٧ - «رفع الصدود على سنن أبي داود» على الربع الأول منه لم يكمّل.
* ومن الأصول:
٢٨ - «التقريرات على شرح المحلي على جمع الجوامع في الأصول».
المقدمة / 13