ومنهم من قال: إنما يسمى السقب ساعة الولادة. وتجديع السقبان: إساءة غذائها كإجداعها. والبهل، جمع باهل: وهي الناقة التي لا صرار عليها. والصرار-بالصاد المهملة بزنة كتاب-ما يشد به ضرع الناقة، يقال: أبهلها إذا أهملها من ذلك، وترك ولدها يرضعها.
يقول: لست راعيا شديد العطش، أو سريعة، في حال كونه يرعى إبله ليلا حالة كون الإبل جائعة الولاد لقلة اللبن، وفي حال كونها غير مشدودة الضروع من أجل ذلك، إذ لا فائدة من شدها حين لا لبن، فأولادها ترضعها لو كان الرضاع يغنيها من جوع، أو يسمنها، وهذه حالة شديدة. نفى عن نفسه أن يكون من ذكر مؤكدا للنفي بزيادة الباء في الخبر، لأن الكون على تلك الحال تسوء معه الأخلاق وتحج به الصدور.
ولا جبإٍ أكهى مرب بعرسه ... يطالعها في شأنه كيف يفعل.
الجبأ -بوزن سكر-: الجبان. والأكهى بالهاء: الجبان الضعيف. فهو تأكيد للجبان أي نعت له مفيد للتأكيد بما فيه من الزيادة على معنى الأول، يقال منه: كهي كرضي. والإرباب بالعرس-أي الزوجة ملازمتها. ومطالعتها في الشأن: مؤامرتها فيه.
يقول ولست أيضًا بجبان، ضعيف، ملازم لزوجته، يؤامرها في شؤونه، كيف يفعل فيها، فقوله: كيف يفعل "تفسير ل "يطالعها" أي يسألها كيف يفعل فيما عن له من شأنه. وناهيك بضعف من يسأل النساء، ويرجع إلى إشارتهن في الأمور، ومشورتهن في الشؤون، فإنهن ناقصات عقل ودين، والمحتاج إليهن في ذلك أنقص عقلًا، وأضعف رأيًا.
ولا خرق هيق كأن فؤاده ... يظل به المكاء يعلو ويسفل.
الخرق-بالخاء المعجمة المفتوحة بوزن كتف-: الذي خرق كفرح، أي دهش من خوف أو حياء، فاتحا عينيه ينظر. وخرق الطائر: لم يقدر على الطيران. والهيق: الدقيق الطويل. والمكاء-بضم الميم وفتح الكاف المشددة-: طائر جمعه مكاكي. وأما المكاء بالتخفيف: فالتضفير بالفم، أو النفخ في الأصابع مشبكة. والمكاء بالتشديد: ذو مكاء بالتخفيف، ولذلك يسمى الصافر، وهو طائر جبان يضرب به المثل فيقال: "أجبن من صافر". ولذلك ما خص الشنفرى بظنه في فؤاد الخرق الهيق. والفؤاد: ما يتعلق بالمريء من كبد ورئة وقلب.
والمعنى على تشبيه القلب في الاضطراب من الدهش والخوف بالمكاء. وهو تشبيه مكنى عنه لا مصرح به. وبيان الكناية انه يلزم من ظن المكاء في الفؤاد ظن القلب مكاء. لأن الذي في الفؤاد-على التحقيق-القلب، والظن المذكور استفيد من خبر "كأن". فغنه إذغ كان فعلا كما هنا، أو ظرفا، أو مشتقا، أشربت "كان" معنى الظن.
وتقدير البيت: ولست أيضًا بذي دهش طويل في نحافة، فإن ذلك من إمارات الحمق غالبا، مظنونًا فؤاد ذلك الخرق يقيم به المكاء حالة كونه عاليا وسافلا، أي يرتفع وينخفض من شدة الدهش.
ولا خالف دارية متغزلٍ ... يروح ويغدو داهنا يتكحل
الخالف: الذي خلف: بمعنى فسد أو حمق، ويسمى بهذا المعنى الثاني خالفة أيضًا، أو الذي خلف عن أصحابه. بمعنى تخلف عنهم، أو الذي خلف غيره: أي صار خليفته في أهله. والدراية: من لا يفارق البيوت. وقيل: الذي يكثر الادراء لغيره: أي الختل. فتاؤه-عليهما-للمبالغة كعلامة، ونسابة. والمتغزل: الذي يتكلف الغزل-بالتحريك-: وهو محادثة النساء، ومرادودتهن، غازلهن وغازلته.
يقول: ولست بالفاسد الذي يخلف عن أصحابه: أي يتخلف عنهم، أو يخلفهم في أهاليهم بالريبة، لا يفارق البيوت لذلك يغازل النساء ويغازلنه، رائح غادٍ متطيبًا، متكحلًا يستميل بذلك النساء.
والمقصود نفي كونه خالفا، لا خالفا موصوفا بالأوصاف المذكورة حتى يقال: لا يلزم من نفي الخالف الموصوف بها نفي الخالف غير الموصوف بها، على أنه-والله العالم سبحانه-لا وجود للخالف بدون تلك الأوصاف فهي مفسرة له، كاشفة عن معناه، تشعر بذمه، ومع ذلك فإن نفوس ذوي الهمم من العرب كانت تأنف من ذلك في جاهليتها، وتذم فاعله غاية الذم، ويتمدحون بغض البصر عن الجارات، قال عنترة: ﴿الكامل﴾
وأغض طرفي عن بدت لي جارتي ... حتى يواري جارتي مأواها
وقال عقيل بن علفة المري:
ولست بسائل جارات بيتي ... أغياب رجالك أم شهود
ولا ملق لذي الودعات سوطي ... ألاعبه وربته أريد
ولست بصادرٍ عن بيت جاري ... صدور العير غمره الورود.
1 / 4