ولا حاجة بنا إلى علم الأسرار لنفهم معنى النور الذي طلبه جيتي وهو يودع الحياة، فلقائل أن يتعمق في التفسير ويذهب إلى معنى للنور أخفى من هذا المعنى الذي تراه العيون. أما جيتي فما طلب قط شيئا أنفس وأقدس من نور الشمس في وضح النهار، وما كان الضياء الخفي في أقدس معانيه إلا دون هذا الضياء المشهود نفاسة في عينه وضميره على السواء.
المرأة في حياة جيتي
الأنوثة الأبدية تجذبنا إلى السماء.
جيتي
أردنا أن نفرد كلمة خاصة للمرأة في حياة جيتي لأن شأن المرأة في حياة هذا الشاعر أجل من أن يعبر في ترجمة وجيزة كالترجمة التي تتسع لها هذه الرسالة.
فهو لم يفرغ يوما من الحب وذكرياته، فأحب طائفة شتى، منهن الفتاة والنصف، ومنهن الشقراء والسمراء، ومنهن التي أحبها للرشاقة والدماثة، والتي أحبها للجسد والمتعة، والتي أحبها للذكاء والحصافة، والتي أحبها للعطف الأنثوي الذي يحتاج إليه الرجل الشاعر في حياته النفسية، وكلهن أفدنه في أدبه وسريرته؛ فاتخذ بعضهن بطلات للقصص وصفهن على الحقيقة وصف الملهم العارف، واتخذ بعضهن صديقات أمينات يكاشفهن ويكاشفنه ويعطف عليهن ويعطفن عليه. وكلهن أفدنه رجلا وشاعرا وصاحب منصب في الحكومة، فمن لم يدخلهن في روايته وأغانيه فقد عرف منهن طوية نفس المرأة ودخيلة الطبيعة الإنسانية؛ فجنى أحسن الثمر من الحب والصداقة.
وقد كانت سليقة جيتي سليقة الشاعر المحب للمرأة المتهيئ للعاطفة؛ فلهذا كثر عشقه وتعددت عشيقاته، ولكننا خلقاء ألا ننسى هنا بقية آداب الفروسية التي هام بها الألمان في أواخر القرون الوسطى، فإنها فرضت الحب على الظرفاء والظريفات، وهيأت لجيتي هذا السبيل الممهد في نفسه وفي نفوس النساء.
ويطول بنا الشرح لو ذهبنا نحصي كل من عرفهن في شبابه ومشيبه؛ فذلك درس دقيق شامل يخرج بنا عن القصد فيما نحن فيه، فلنجتزئ هنا بالإشارة إلى النساء اللواتي كن أظهر أثرا في سيرته وأطول صحبة لذكراه، وأولئك فيما نعتقد خمس: هن «شارلوت بف» و«أنا إليصابات شونمان» و«البارونة فون ستين» و«بتينا برنتانو» و«كرستيانا فلبيوس». •••
أما «شارلوت بف» فهي صاحبة قصة «فرتر» وهي مثال الفتاة الألمانية المهذبة الوديعة الصالحة للبيت والبنين مع ميل إلى السرور البريء، ماتت أمها وهي في نحو السادسة عشرة فقامت مع أبيها على تربية إخوتها الصغار وعرفت في البلدة باسم «أم الأطفال الحسان»، وكانت لها أخت أكبر منها اسمها «كارولين» ولكنها هي التي كانت تخدم الاطفال وتحنو عليهم، فناءت بأثقال الكفالة والتدبير وهي في هذه السن الصغيرة، فنشأت أميل إلى الجد والرصانة منها إلى اللعب والمراح.
وجاء جيتي في سنة 1772 يتدرب على المحاماة في «فتزلار» حيث كانت تقيم، فرآها وشغف بها وأعجب بحسنها وحبها للطبيعة وإصغائها إلى الأدب وفكاهتها السهلة السموح، وكانت هي تألف عشرته وتجامله ولكنها ترده إلى حدود الصداقة بأدب ولباقة؛ لأنها كانت مخطوبة لفتى آخر موظف في إحدى السفارات اسمه كستنر أكبر من جيتي ببضع سنوات، وكان كستنر صديقا لجيتي عرفه من بداية وصوله إلى «فتزلار»، فتعقدت الصلات أيما تعقد، ووجب على أحد الرجلين أن يخلي المكان لصاحبه قبل أن تفسد الصحبة بين الجميع.
Bilinmeyen sayfa