وعللها الكلية لكان علمنا هذا كليا لا يتغير بتغير المعلوم فى ذاته فإن أسبابه وعلله الكلية لا مشخصاته لا تتغير ولا تفسد.
مشخصاته وإن كانت جزئية فإن لها عللا وأسبابا كلية لا تتغير ، فالبارى يعرفها كلها كلية وهو يعرف أوائلها من ذاته لأن وجودها عنه. وهو يعرف ذاته ويعرفها علة وأولا لصدور الموجودات عنه. فعلمه غير مستفاد من خارج يلزم ذاته وذاته لا تتغير.
الأول يعرف الشخصى وأحواله الشخصية ووقته الشخصى ومكانه الشخصى من أسبابه ولوازمه الموجبة له المؤدية اليه. وهو يعرف كل ذلك من ذاته إذ ذاته هو سبب الأسباب ، فلا يخفى عليه شيء ولا يعزب عنه مثقال ذرة.
ينبغي أن نجتهد فى أن لا نجعل علمه عرضة للتغير والفساد البتة بأن نجعله زمانيا أو مستفادا من الحس ومن وجود الموجودات فيلزم ذاته أن أدخل فى علمه الزمان فيكون متغيرا وفاسدا ، لأن الشىء يكون فى وقت بحال ، ويكون فى وقت آخر بحال آخر.
الأول يعرف هذا الكسوف الجزئى بأسبابه المؤدية إليه ووقته الشخصى الذي يكون فيه بأسبابه الموجبة له ، ويعرف مقدار لبثه بسببه ، ويعرف انجلاءه بالسبب الموجب له ، وكل ذلك يعرفه كليا بأسبابه المؤدية إليه الموجبة له ، ويعرف المدة التي بين الكسوفين وجميع أحواله وأسبابه الشخصية ، فلا يتغير علمه بتغير هذه الأشياء وتشخصها إذ ليس يعرفها مشارا إليها.
الشىء المشار إليه لا يعرف معقولا إنما يعر محسوسا ، والمعلوم من الأشياء الجزئية لا يكون معقولا بحيث يصح حمله على كثيرين فإن المعقول من هذا الشخص من جهة ما هو جزئى معقول غير محدد فلا يصح حمله إلا عليه ، ويكون ذلك متخيلا بالحقيقة لا معقولا. وإذا كان المعقول معقول شىء من نوعه فى شخصه كان معقوله محدودا. فصح حمله على كثيرين وصح الاستناد إليه إذ هو لا يتغير ، وتكون جميع عوارضه وصفاته المستندة إليه معقولة كالحال فى الشمس وعوارضه وصفاته كالشعاع.
العلم فى الأول غير مستفاد من الموجودات ، بل من ذاته. فعلمه سبب لوجود الموجودات ، فلا يجوز على علمه التغير. وعلمنا مستفاد من خارج فيكون سببه وجود الشىء. وإذ كنا لا ندرك إلا الجزئيات المتغيرة فعلمنا يتغير ولأنها تبطل فيبطل علمنا بها. والمثال فى كون علمه سببا لوجود الموجودات هو كما لو علم إنسان صورة بناء فبنى على تلك الصورة بناء ، لا كمن يعلم صورة بناء حاصل بالفعل قائم.
لما كان علمه سببا لوجود الموجودات عنه من دون آلة وإرادة متجددة ، بل كانت الموجودات تابعة لمعلوماته صح معنى : قوله : «كن فيكون».
Sayfa 116