فعرضوا له بالسب بكلام ظاهره المدح في أحد التأويلات حسبما تقدم في هود، وقال تعالى في أبي جهل: {ذق إنك أنت العزيز الكريم} [(49) سورة الدخان] وقال حكاية عن مريم: {يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا} [(28) سورة مريم] فمدحوا أباها ونفوا عن أمها البغاء أي الزنا، وعرضوا لمريم بذلك، ولذلك قال تعالى: {وبكفرهم وقولهم على مريم بهتانا عظيما} [(156) سورة النساء] وكفرهم معروف والبهتان العظيم هو التعريض لها أي ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا، أي أنت بخلافهما، وقد أتيت بهذا الولد ..
يعني: لو أن شخصا قال لآخر: يا فلان أبوك ليس من أهل الفواحش، أبوك لم يقترف زنا ولا لواط ولا شيء، هل يفهم من هذا أنك أنت اقترفت ذلك؟ أو أن السياق والقرائن يستدل بها على المراد؟
طالب:. . . . . . . . .
الشيخ: قد يكون أبوه ممن عرف بالأسفار والذهاب إلى بلاد يتساهل فيها بالمنكرات والفواحش وكذا فيريد أن يبرئ والده؛ لأنه صحبه في هذه الأسفار وما عرف بذلك، فقرائن الأحوال يستدل بها على المراد، لكن لو كان أبوه ما عرف بالأسفار، وعرف أنه من أهل المسجد، وليس من أهل تلك الأعمال، عرف أنه يريد الابن، فالقرائن لها أحكام.
وقال تعالى: {قل من يرزقكم من السماوات والأرض قل الله وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين} [(24) سورة سبأ] فهذا اللفظ قد فهم منه أن المراد به أن الكفار على غير هدى، وأن الله تعالى ورسوله على الهدى، ففهم من هذا التعريض ما يفهم من صريحه، وقد حبس عمر -رضي الله عنه- الحطيئة لما قال:
دع المكارم لا ترحل لبغيتها ... واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي
لأنه شبهه بالنساء في أنهن يطعمن ويسقين ويكسون، ولما سمع قول النجاشي:
قبيلة لا يغدرون بذمة ... ولا يظلمون الناس حبة خردل
قال: ليت الخطاب كذلك، وإنما أراد الشاعر ضعف القبيلة، ومثله كثير.
السادسة: الجمهور من العلماء على أنه لا حد على من قذف رجلا من أهل الكتاب أو امرأة منهم، وقال الزهري وسعيد بن المسيب ..
Sayfa 4