تفسير القرطبي
سورة النور
الكلام على أحكام القذف
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال الإمام القرطبي -رحمه الله تعالى-:
قوله تعالى: {والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون * إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم} [(4 - 5) سورة النور].
فيه ست وعشرون مسألة:
الأولى: هذه الآية نزلت في القاذفين، قال سعيد بن جبير: كان سببها ما قيل في عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- وقيل: بل نزلت بسبب القذفة عاما لا في تلك النازلة، وقال ابن المنذر: لم نجد في أخبار رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خبرا يدل على تصريح القذف ، وظاهر كتاب الله تعالى مستغنى به دالا على القذف الذي يوجب الحد، وأهل العلم على ذلك مجمعون ..
سواء نزلت الآية في قصة الإفك وقذف عائشة -رضي الله عنها– أو في قصة هلال بن أمية أو في غيرها من القصص، فالعبرة بعمومها لا بخصوص السبب.
الثانية: قوله تعالى: {والذين يرمون} يريد يسبون، واستعير له اسم الرمي لأنه إذاية بالقول، كما قال النابغة: وجرح اللسان كجرح اليد.
وقال آخر:
رماني بأمر كنت منه ووالدي ... بريئا ومن أجل الطوي رماني
ويسمى قذفا، ومنه الحديث: إن ابن أمية قذف امرأته بشريك بن السحماء: أي رماها.
والقذف والرمي بمعنى واحد، والأصل فيه قذف رمي المحسوسات، فإذا أطلق في المعنويات، في المعاني، في النصوص الشرعية فهو حقيقة أيضا، ولا يقال: إنه مجاز القذف والرمي، الرمى بالكلام أو بنحوه من المعنويات والمعاني فهذه حقيقة لأنها جاءت في معناها في النصوص الشرعية، فهي استعمال اللفظ في حقيقته، فيما وضع له.
الثالثة: ذكر الله تعالى في الآية النساء من حيث هن أهم، ورميهن بالفاحشة أشنع وأنكى للنفوس، وقذف الرجال داخل في حكم الآية بالمعنى ..
Sayfa 1