يَحْضُرُ مَجَالِسَهُ ويُنْشِدُهُ الأشْعَارَ وَيَمْدَحُه (١). وَمِمَّا يؤخذُ عَلَى الأمِيْرِ المَذْكُورِ أَنّهُ كَانَ عَلَى خِلافٍ وَاسِعٍ مَعَ مُلُوْكِ الطَّوائِفِ في الأنْدَلُسِ، وَبَيْنَهُم حُرُوْبٌ وَغَارَاتٌ مُدَمِّرَةٌ، وَأَنّه كَانَ يَسْتَعِيْنُ بالفِرِنْجَةِ ضِدَّهُم مِمَّا مَهَّدَ لهَؤُلاءِ بِالاسْتِيْلاءِ عَلَى مَمَالِكِ الإسْلام بالأنْدَلُسِ، والتّنكِيْلِ بِهِم، وَسَوْمِهِم سُوْءَ العَذَابِ، مِنْ تَقْتِيْلٍ وَتَشْرِيْدٍ، وَتَجْويعٍ وَإِخَافَةٍ، وَأَنّهُ كَانَ مُبَالِغًا جدًّا في بِنَاءِ القُصُوْرِ وَإِظْهَارِ التَّرَفِ في ذلِكَ إلَى حَدٍّ كَبِيْرٍ جِدًّا (٢). وبوَفَاةِ الأمَيْرِ المَذْكُوْرِ وَتَوَلَّى حَفِيْده القَادِرِ باللهِ الَّذِي لَمْ يَكُنْ يُحْسِنُ مُعَاشَرَةَ العُلَمَاءِ وَلَا الإقْبَالِ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يَكُنْ مُؤَهَّلًا لِحُكْمِ بِلادِهِ طُلَيْطُلَةَ فَانْتَشَرَتْ الفَوْضَى وَعَمَّ الفَسَادُ (٣)، وَكَانَ سلَفُهُ -كَمَا قُلْنَا- قَدْ مَهَّدَ لِلْبُغَاةِ الطَّامِعِيْن في البِلادِ مِن الإفْرَنْجَةِ بِدُخُوْلهَا فاسْتَغَلُّوْا هَدهِ الظُّرُوْفَ واسْتَوْلُوْا عَلَى المَدِيْنَةِ وَتَوَابِعِهَا وَسَقَطَتْ في أَيْدِيْهِمْ سَنَةَ (٤٧٨ هـ) (٤).
الوَقَّسِيُّ في بَلَنسيَة:
رَحَلَ أبو الوَليْدِ إلى بَلَنْسِيَةَ في ظِلِّ هَذِهِ الظُّرُوْفِ المُتَلاحِقَةِ في طُلَيْطُلَةَ الَّتِي مِنْهَا وَفَاةُ المَأْمُوْنِ، ثُمَّ بَطْشُ حَفِيْدِه القَادِرِ بِاللهِ وَظُلْمُهُ، وَمُحَاصَرَةُ الفِرِنْجةِ لِلْبَلدَةِ، ثُمَّ الاسْتِيْلاء عَلَيْهَا. وَلَا أَدْرِي مَتَى كَانَ رَحِيْلُهُ عَمهَا، إلاَّ أَنَّه مِنَ المُؤَكَّدِ أَنّهُ كَانَ بِبَلَنْسِيَةَ قَبْلَ سَنَةَ (٤٨٥ هـ) فَقَدْ جَاءَ في تَرْجَمَةِ تِلْمِيْذِهِ مُحَمَّدِ بنِ عُثْمَان
_________
(١) نفح الطِّيب (١/ ٦٤٤) فما بعدها.
(٢) يراجع: نفح الطيب (١/ ٤٤٠).
(٣) البَيَان المُغرب (٣/ ٣٠٥)، والحلل السندسيَّة (١/ ٤٥١، ٢/ ٢٩).
(٤) نفح الطيب (٤/ ٣٥٢).
مقدمة / 39