Eski Dünyada Yemek
الطعام في العالم القديم
Türler
إن الرجال في المنطقة التي أعيش فيها (مدينة ميسيا في غربي آسيا الصغرى) - الذين عادة ما يرفضون أكل سيقان وأوراق اللفت («جونجيليداي») الذي يطلقون عليه أيضا «بونياداي» - يأكلون سيقان وأوراق اللفت أيضا حين لا يجدون أطعمة أفضل، ويأكلون في هذه الحالة أيضا الفجل وما نطلق عليه بلهجتنا المحلية «رافيس»؛ من الممكن أن نقول إن هذا النبات هو الفجل البري. وتحت وطأة المجاعة، كثيرا ما يأكل الناس عود العطاس (سرة الكبش) والجزر الأبيض والكرفس البري والشمر والبقدونس الإفرنجي وكزبرة الثعلب والهندباء البرية والجزر الفرنسي والجزر البري، وأيضا العيدان الطرية لمعظم الأشجار والشجيرات بعد سلقها . ولكن بعضهم يأكلونها حتى في حالة عدم وجود مجاعة، كما يأكل البعض الجزء العلوي من نخلة التمر، وهو الذي يسميه البعض مخ النخلة.
لماذا يجب علي مواصلة الحديث عن ثمار الأشواك البرية الطرية؟ لأن هذه الثمار - وذلك في غير أوقات المجاعات - تصلح فعلا كوجبة مقبولة تؤكل مع الخل وصلصة السمك.» (ترجمه إلى الإنجليزية: باول)
يتناول جالينوس مشكلة نقص الطعام في مواضع كثيرة في إطار مناقشته للنباتات والحبوب التي تصلح كطعام، ولكنه أيضا يناقش الاختلاف بين منطقة وأخرى والتقديرات المختلفة لنباتات معينة، وذلك على أساس طرق التحضير وربما الوقت من العام. وبعض النباتات التي يرى أنها طعام للحيوانات وليس للإنسان - مثل نبات البيقة ذي المذاق المر - تظهر أيضا في فئة الأدوية؛ ومن ثم، فإن الماشية عادة ما تأكل نبات البيقة، ومن الممكن أن يأكله الفقراء من البشر حين تضطرهم أزمات نقص الطعام إلى ذلك، ومن الممكن أن يأكله الأغنياء منهم حين يمرضون. ويوجد - كما سنرى - الكثير من النباتات والحيوانات التي تظهر في كتاب جالينوس «عن قوى الأطعمة» المتعلق بالتغذية، وفي عمله المتعلق بعلم العقاقير المعنون ب «عن قوى العقاقير البسيطة وأمزجتها». العقاقير (البسيطة) هي أقوى أشكال الأطعمة. يرى جالينوس أن بعض المواد - مثل النبيذ - لا تحسب بصفتها أطعمة، وأن مواد أخرى - مثل البصل - هي أطعمة وعقاقير في آن واحد. ويتحدد الشكل الذي يوصي به الطبيب بحسب احتياج المريض، سواء أكان بهدف المحافظة على الصحة أم بهدف التدخل القوي.
يقدم الطب القديم رؤية رائعة عن عادات تناول الطعام القديمة؛ لأن الطب لم يكن يتطلب خطوات تدخلية مثل الطب السريري الحديث، وكان الأطباء مثل جالينوس بوسعهم أن يصرحوا بأن النظام الغذائي هو الجانب الأنفع من الطب. تطور الطب الإغريقي على أيدي الفلاسفة الذين جاءوا قبل سقراط في القرن الخامس قبل الميلاد، وواصلوا عملهم جنبا إلى جنب مع الطب التقليدي والعلاج الديني. كان للطعام دور مهم في طب أبقراط، واتسع دوره في القرن الرابع قبل الميلاد على يد منيستيوس الأثيني وديوكليس الكاريستوسي، وطوره أكثر الأطباء الهلنستيين مثل ديفيليوس السيفنوسي، وكان جزءا لا يتجزأ من المناظرات الطبية الهلنستية التي دارت حول مدارس مختلفة. ويستخدم جالينوس كل هذه العناصر ويقدم من خلالها مزيجا مؤثرا ونقدا بارعا .
ويقدم سيلسوس - وهو مؤلف موسوعي مثل بلينوس وجالينوس وأثينايوس - (في كتابه «بروميوم»، أو «مقدمة»، 19-22) تلخيصا مفيدا عن تلك المدارس المختلفة؛ فثمة رأي يرى أن هضم الطعام والشراب عملية من «العمليات الطبيعية». ويقول أتباع إراسيستراتوس إن الطعام يطحن، ويقول أتباع بليستونيكوس إنه يتحلل، ويقول أتباع أبقراط إنه «يطهى تماما»، ويرى أتباع أسكليبيديس (أتباع الميثودية أو المنهاجية) أن الطعام ينتقل نيئا أثناء بلعه. ويقول سيلسوس إن هذه الآراء تحدد الطعام الذي يوصي به الطبيب: إذا كان الطبيب يؤمن بالطحن، فإنه يختار الطعام الذي يطحن بسهولة؛ وإذا كان يؤمن بالطهي، يختار الطعام الذي يسخن بسهولة؛ وإذا كان يؤمن بالانحلال، فإنه يختار أيضا الأطعمة المناسبة.
رأينا في الفصل الأول أن المؤلف التابع لمدرسة أبقراط الذي ألف كتاب «عن الطب القديم» قدم نموذجا للتطور البشري الذي كان للطعام فيه دور مهم. ومن الواضح أيضا في كتاب «الأهوية والمياه والبلدان» أن العوامل البيئية كان يفترض أن لها دورا مهما في تكوين الإنسان وفي الحالة الصحية عموما؛ إذ كانت تختلف من مكان لآخر ومن موسم لآخر. ويتحدث الكثير من الأعمال الأخرى عن الطعام وعادات تناول الطعام، ومن بينها كتاب «الأخلاط والأقوال المأثورة» الذي يقدم أمثلة لافتة. ولكن من الأعمال المفيدة للغاية لاستقصائنا الحالي عملان من أعمال أبقراط وهما «الأوبئة» ومجموعة «الحميات» - وعددها أربع - تشمل علم الكونيات والأطعمة والاستحمام ونمط المعيشة (الوجبات والتمارين الرياضية والغذاء اليومي) والأحلام، وذلك في عرض فكري مميز. ومن الأعمال المفيدة أيضا الأبحاث الأكثر تخصصا «الحمية في الصحة» و«الحمية في الأمراض الحادة».
ويتناول بحث «الحمية 1» الكائن البشري في بيئته البيولوجية وأيضا في بيئته الكونية الأكبر بكثير؛ ومن ثم، يصرح المؤلف في الأسطر 1-5: «كل الأشياء - الإلهية والبشرية - تنتقل صعودا وهبوطا بالتبادل.» وهي عبارة تذكرنا بالمقولة الشهيرة لهيراكليتوس: «كل شيء في تغير متواصل.» ويزعم المؤلف أن هذه النظرية القائمة على توازن العناصر هي الإطار الصحيح الوحيد الذي تصلح مناقشة الحمية في ضوئه (1-1)، وهذه هي البيئة المناسبة أيضا لنمو الجسم البشري وتغذيته (1-25)، بل لتكوين الجنين أيضا ؛ ومن ثم، إذا كان الوالدان المرتقبان يريدان إنجاب أنثى، فعليهما تناول الأطعمة الباردة والرطبة والطرية، أما في حالة الرغبة في إنجاب ذكر فعليهما أن يتناولا أطعمة جافة ودافئة. وهذه العناصر الجسدية تتأثر بالموسم (1-32) وبالسن؛ ومن ثم فالأطعمة الدافئة مطلوبة في الشتاء مثلا، والأشخاص الأكبر سنا يحتاجون إلى طعام مختلف عما يحتاجه الأشخاص الأصغر سنا.
وفي «الحمية 2» (الأسطر 2، 37-38)، يشير إلى أن العمليات الطبيعية الأخرى - التي يتوقف عليها الجسم البشري - تتحكم فيها عوامل المناخ والفصل والمكان؛ ومن ثم، فإن الآراء التي يناقشها كتاب «الأهوية والمياه والبلدان» تتصل بالنظام الغذائي الذي يقصده المؤلف التابع لمدرسة أبقراط، وإن كان ذلك يتسم بشيء من التنوع من جانب مؤلف البحث الآخر.
ويتحدث البحث عن الطعام نفسه بكثير من التفصيل (راجع الفصل الأول)، ويسرد الأطعمة بالترتيب التالي: خبز وحبوب، فوليات وبقوليات، حيوانات وطيور وأسماك، ماء ونبيذ، خضراوات، فواكه. وأناقش هذا الترتيب فيما يأتي عند مقارنة نص أبقراط بالنسخ الحديثة التي قدمها على مدى 600 عام بعدها كل من ديوكليس الكاريستوسي ومنيستيوس الأثيني وديفيليوس السيفنوسي وجالينوس. ويتحدث المؤلف التابع لمدرسة أبقراط عن الأطعمة النيئة - مثل الدقيق والشعير - والمنتجات المطهية مثل الخبز والكعكات، وهو مهتم بالنباتات التي قد ينظر إليها باعتبارها عديمة النكهة أو لاذعة، ومهتم كذلك بخواص أجزاء النبات المختلفة، مثل الأوراق أو الجذر. ويتحدث عن الأطعمة النيئة التي يقصد بها المنتجات البرية غير المزروعة، مثل التفاح البري، ثم يتحدث عن النباتات المزروعة التي قد تتغير خواصها بالطهي. ويفرد معظم الاهتمام بالطهي للفصل السادس والخمسين، الذي يتحدث فيه عن أساليب تحضير الطعام المختلفة التي تجري في المطبخ، في ضوء الرؤية الشاملة التي تتحدث عن النار والماء:
لا بد من تخفيض قوى الأطعمة أو زيادتها كل على حدة؛ إذ من المعروف أن كل شيء يتكون من النار والماء - سواء الحيوانات أو الخضراوات - وأن كل شيء ينشأ من خلالهما ويتحول إليهما. ويتم ذلك بالطريقة الآتية: انزع قوى النار والماء من الأطعمة اللاذعة بسلقها وتبريدها عدة مرات، وتخلص من الرطوبة من الأطعمة الرطبة بشيها أو تحميصها، وانقع الأطعمة الجافة ورطبها، وانقع الأطعمة المالحة واسلقها، وامزج الأطعمة المرة واللاذعة بالأطعمة الحلوة، وامزج الأطعمة القابضة بالأطعمة الزيتية ... تتسم الأطعمة المشوية أو المحمصة بقدر أكبر من التجانس والارتباط عن الأطعمة النيئة؛ لأن النار نزعت منها الرطوبة والعصارات والدهون؛ ومن ثم، فإنها حين تنزل إلى المعدة تجذب إليها الرطوبة من المعدة؛ مما يزيد من حرارة مداخل الأوردة، ويعمل على تجفيفها وتدفئتها لغلق الممرات المخصصة لمرور السوائل. والأطعمة الآتية من المناطق الجافة والحارة التي تخلو من المياه تكون جميعها أكثر جفافا ودفئا، وتمد الجسم بمزيد من القوة؛ لأنها أثقل وزنا وأكثر تماسكا وأغنى في قيمتها الغذائية عن الأشياء الآتية من المناطق الرطبة الباردة التي تتوافر فيها المياه، فالأطعمة الآتية منها تكون أكثر رطوبة وبرودة وأخف وزنا. إذن، فمن الضروري معرفة الخواص - ليس فقط خواص الأطعمة نفسها، سواء أكانت من الذرة أم المشروبات أم اللحوم - بل أيضا خواص البلدان التي جاءت منها.
Bilinmeyen sayfa