وفهمتها رغم أنني كنت في السادسة عشرة، إن ضيوفا كثيرين يزورون أبي، ولا تهمس لي كما تهمس الآن.
وقلت: «لا! لا أريد أن أتزوج، أريد أن أتعلم، أريد أن أدخل الجامعة، أريد أن أصبح شيئا!» «إنني لا أعرفه، إن ملامحه غريبة، غريبة جدا، لا أستطيع أن أعيش معه، سأقتل نفسي، ارحموني!»
وبكيت، وصرخت، وضربت الأرض بقدمي، وأضربت عن الطعام، وطفت بالصيدليات أبحث عن سم قاتل، ولكنهم كانوا أكثر قوة مني، أخرجوني من المدرسة وساقوني إليك، كما تساق البهيمة إلى الجزار.
جزاري العزيز، لماذا عجزت عن أن تفهمني؟! لماذا قلت لي في أول ليلة وأنا أبكي: «كل البنات يبكين، كل البنات يتمنعن، ثم ذبحتني!»
آه يا رأسي! أريد أن أنسى! أريد أن أنسى منظر جثتك الضخمة وهي غارقة في بحر من العرق، وعلى فمك تلك الابتسامة البلهاء، وفي عينيك نفس النظرات الخاوية، وقدماك الصغيرتان الناعمتان تهتزان وحدهما، وتبعثان في نفسي شعورا بالتقزز والغثيان.
ثم نمت، نمت وأنت راقد على ظهرك، وتوقفت قدماك عن الاهتزاز، وبدأت شفتاك ترتعشان، وقلت لنفسي وأنا أرتعد من الخوف: «يا إلهي! لماذا ترتعش شفتاه؟ هل هو مصاب بداء ما؟ آه يا ربي! لماذا تركني أهلي مع هذا الرجل الغريب؟»
واهتزت شفتاك أكثر وأكثر، وانخلع قلبي من الخوف، وخيل إلي أنك مصاب بداء المشي أثناء النوم، والانقضاض على الناس وذبحهم، وتلفت حولي في ذعر، أين أختبئ منك قبل أن تقوم وتنقض علي! وفجأة سمعتك تقول شيئا، وقفزت مذعورة من السرير إلى الأرض، كيف هذا؟ إنه يتكلم وعيناه مغمضتان؟ هل يكلم الشياطين والجان؟ وظلت عيناي مثبتتين على يديك وشفتيك ترقبان أي حركة.
حتى رأيتك تتقلب وتتمطى وتتثاءب، ثم تفتح عينيك، وسمعتك تقول لي: «صباح الخير»، وزال عني خوف الليل حينما رأيت نور الصباح يملأ الحجرة.
جاء أبي وأمي وأقاربي، وسمعتهم يقولون لي مبروك، مبروك علي أي شيء؟! من هؤلاء القوم؟ هل هم أبي وأمي وأقاربي حقا؟ أم هم غرباء جاءوا ليطمأنوا على سلامة الذبيحة؟
وبكيت في حجر أمي، وتشبثت بملابسها، وتوسلت إليها: لا تتركيني، لا تتركيني هنا، خذيني معكم، لا أحبه، لا أتصوره، سأموت! وتركوني، تركوني لك، لم أمت كما ترى، فأنا ما زلت أتنفس، وما زلت قادرة على أن آكل وأشرب وأنام، وأنت تسمي هذه حياة، وتتعجب حينما ترى دموعي تسح من عيني، وتسألني وفي عينيك تلك النظرة الباهتة الضحلة: ماذا يحزنك؟ إنني أوفر لك كل شيء، تأكلين أجود طعام، وتلبسين أغلى ملابس، وتسكنين أرقى حي، عندك الخدم، وبيتك كامل من كل شيء، ماذا يمكن أن ينقصك بعد ذلك؟
Bilinmeyen sayfa