ونظرت إليه ورأيت وجهه، كان قبيحا، لكني لم أشمئز منه كالمرة الأولى، وكنت أريد أن ينصرف لأستريح فقلت: «لا أنا مش حاتغدى دلوقت، روح انت يا محمود.»
ولكنه لم ينصرف وقال لي كأنه يعزمني في بيته على الغداء: «لا مش ممكن إزاي سعادتك تقعدي من غير غدا والسفر متعب.»
كنت أسمعه وظهري له لأتفادى دمامة وجهه، لكني أحسست أن في صوته شيئا مألوفا لدي، كأنما سمعته قبل اليوم.
واستدرت إليه، ورأيت وجهه، واهتزت عيناي على ملامحه لا ترغبان في الاستقرار على شيء منها، وقلت له في عزم وغضب : «أنا مش حاكل دلوقت!»
وانصرف، وزحزحت السرير بجوار النافذة، وألقيت جسمي عليه، ومددت ساقي، وثنيت الوسادة تحت رأسي لأتمكن من رؤية المزارع من خلال النافذة وأنا نائمة، وأغمضت عيني وأنا أجذب نفسا عميقا هادئا.
آه! ما أجمل الاسترخاء! وما أشق أن أساق في تيار متدفق، لا أتوقف لأن كل ما حولي لا يتوقف: الساعة تدق دائما، والعربات والقطارات تجري بسرعة وتصفر، وحياة المدينة الجارفة - حياة القاهرة - بنهارها وليلها وعملها ولهوها تبتلع اليوم، وتجعلني أتلفت حولي في قلق وأقول: هل من مزيد، هل يصبح اليوم أربعين ساعة؟
ومددت ذراعي وساقي وتثاءبت في تراخ شديد.
آه! ما أحلى التوقف بلا ساعة وبلا زمن! اليوم أمامي طويل عريض، بلا مواعيد، والأرض الواسعة الخضراء حولي جميلة بلا مواصلات، والناس الطيبون قريبون مني في أية لحظة يلبون طلباتي.
ووضعت يدي تحت رأسي وتمطيت، أنا هنا ملكة، ملكة نفسي قبل كل شيء.
وسمعت طرقا على الباب فقمت من فراشي ونزلت وأنا أحس أنني خفيفة كالريشة، وفتحت الباب، ودخل محمود بوجهه القبيح، لو لم يكن له هذا الوجه المنفر؟! إنه الشيء الوحيد الذي يتلف مزاجي في هذا الهدوء.
Bilinmeyen sayfa