والطالب الباكستاني يعنى بالرياضة البدنية عناية عظيمة وهذا من أثر التوجيه الإنجليزي، فالتربية الإنجليزية تهدف إلى تكوين جسم قوي ينفع في الجيش وإن كانت لا تعنى بالعقل الذي يصرف أمور هذا الجسم. وتوضع الرياضة في باكستان في موضع خاص يؤثر في مجرى الحياة العامة، ومن طريف ما يذكر في ذلك أننا أعلنا عن حاجتنا إلى مدرس في قسم اللغة العربية فكان مما أثار دهشتي أن أعثر بين الطلبات التي قدمها الراغبون في هذه الوظيفة على طلبات كثيرة يذكر أصحابها من قبيل المؤهلات أنهم يجيدون لعب الهوكي أو البولو أو غير ذلك فكنت أعجب من هذه المؤهلات! وقد كنت عضوا في لجنة من اللجان لاختيار أستاذ للتاريخ في بعض الكليات فوجدت من بين الأسئلة التي وضعت أمام راغب الوظيفة: أي لعبة من الألعاب الرياضية تلعب؟
والطلبة الذين يجيدون الألعاب الرياضية وذوو الأجسام القوية يعاملون معاملة خاصة، فهم يؤخذون لمدرسة من بين مدارس الكلية اسمها
Wing ، وهي مدرسة عسكرية تقوم مقام التدريب العسكري لطلبة الجامعة وهم يعيشون فيها معيشة عسكرية في حدود النظام العسكري ويتلقون تعليمهم الجامعي، حتى إذا أتموا المرحلة الجامعية يكونون قد أتموا المرحلة العسكرية ويتخرجون ضباطا في الجيش.
والطالب العادي ينفق على طعامه وسكنه وغير ذلك 25 روبية في الشهر وأما الطالب في هذه المدرسة فينفق عليه 80 روبية، وتحدث في بعض الأحيان مشادات بين طلبة هذه المدرسة وبقية الطلبة نظرا لما يتمتعون به من امتيازات يحرم منها الباقون. غير أن الذي يلاحظ أن مستوى الرياضة بين طلبة الباكستان أعلى بكثير من مستواها بين الطلبة في مصر.
ومن الأمثلة الرائعة لليقظة العلمية والأدبية في باكستان حلقات «المشاعرة» التي يمكن اعتبارها امتدادا لأسواق العرب الأدبية، وهي حلقات لا تجدها في غير باكستان. وقد بدأت حلقات المشاعرة بالجلسات الخاصة التي كانت تنعقد في قصور الأمراء والعظماء والأدباء، ثم انتقلت إلى المجالس العامة والندوات الشعبية.
وقد اشتهرت مجالس المشاعرة في الهند في عهد السلطان أكبر المغولي الذي وطد دعائم الحضارة الإسلامية في شبه القارة، وقد أنشأ هذا الملك حلقة خاصة للشعراء، متشبها في ذلك بالخلفاء وأمراء المسلمين، وكان يجزل العطاء لأصحاب القصائد التي تنال استحسانه.
وقد ظلت مجالس المشاعرة في الهند قاصرة على الجماعات الإسلامية مما جعلها من مميزات المسلمين، ولذلك كان من الطبيعي أن تنتقل إلى باكستان بعد تأليفها مع ما انتقل إليها من التراث الإسلامي.
وتعقد اليوم في كراتشي، عاصمة باكستان، وغيرها من المدن الكبرى مثل لاهور وداكا وغيرها، حلقات «المشاعرة» تحت رعاية الدولة التي تشجعها باستمرار.
أما قبل التقسيم فقد كانت الرابطة الإسلامية هي التي تتولى تنظيم المشاعرة، وكان القائد الأعظم محمد علي جناح من أكبر مشجعي حلقات المشاعرة، ولم ينقطع عن الاشتراك فيها حتى بعد أن تولى مقاليد الحكم.
وكذلك شاعر الباكستان الخالد «محمد إقبال» كان أول ظهوره في حلقات المشاعرة بلاهور، وكانت هذه الحلقات سببا من أسباب شهرته الكبيرة، إذ سهلت اتصاله بالجمهور كما قربت إليه هؤلاء القوم البسطاء الذين كان يحبهم.
Bilinmeyen sayfa