47

Tebsire

التبصرة

Yayıncı

دار الكتب العلمية

Baskı Numarası

الأولى

Yayın Yılı

١٤٠٦ هـ - ١٩٨٦ م

Yayın Yeri

بيروت - لبنان

فَلَمْ يَبْقَ إِلا النَّظَرُ فِي الآثَارِ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى الْمُؤْثَرِ. وَجَمِيعُ الْمَوْجُودَاتِ مِنْ آثَارِ قُدْرَتِهِ. وَأَعْجَبُ آثَارِهِ الآدَمِيُّ، فَإِنَّكَ إِذَا تَفَكَّرْتَ فِي نَفْسِكَ كَفَى، وَإِذَا نَظَرْتَ فِي خَلْقِكَ شَفَى. أَلَيْسَ قَدْ فَعَلَ فِي قَطْرَةٍ [مِنْ] مَاءٍ مَا لَوِ انْقَضَتِ الأَعْمَارُ فِي شَرْحِ حِكْمَتِهِ مَا وَفَتْ! كَانَتِ النُّقْطَةُ مَغْمُوسَةً فِي دَمِ الْحَيْضِ، وَمِقْيَاسُ الْقُدْرَةِ يَشُقُّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ، خلق منها ثلاثمائة وستين عظمًا وخمسمائة وَتِسْعًا وَعِشْرِينَ عَضَلَةً، كُلُّ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ تَحْتَهُ حِكْمَةٌ، فَالْعَيْنُ سَبْعُ طَبَقَاتٍ، وَأَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ عَضَلَةً لِتَحْرِيكِ حَدَقَةِ الْعَيْنِ، وَأَجْفَانِهَا، لَوْ نَقَصَتْ مِنْهَا وَاحِدَةٌ لاخْتَلَّ الأَمْرُ، وَأَظْهَرَ فِي سَوَادِ الْعَيْنِ عَلَى صِغَرِهِ صُورَةَ السَّمَاءِ مَعَ اتِّسَاعِهَا، وَخَالَفَ بَيْنَ أَشْكَالِ الْحَنَاجِرِ فِي الأَصْوَاتِ، وَسَخَّرَ الْمَعِدَةَ لإِنْضَاجِ الْغِذَاءِ، وَالْكَبِدَ لإِحَالَتِهِ إِلَى الدَّمِ، وَالطِّحَالَ لِجَذْبِ السَّوْدَاءِ وَالْمَرَارَةَ لِتَنَاوُلِ الصَّفْرَاءِ [كُلُّهَا] وَالْعُرُوقُ كَالْخَدَمِ لِلْكَبِدِ تَنْفُذُ مِنْهَا الدِّمَاءُ إِلَى أطراف البدن. فيا أيها الْغَافِلُ مَا عِنْدَكَ خَبَرٌ مِنْكَ، فَمَا تَعْرِفُ مِنْ نَفْسِكَ إِلا أَنْ تَجُوعَ فَتَأْكُلَ وَتَشْبَعَ فَتَنَامَ، وَتَغْضَبَ فَتُخَاصِمَ، فَبِمَاذَا تَمَيَّزْتَ عَلَى الْبَهَائِمِ! ارْفَعْ بَصَرَ فِكْرِكَ إِلَى عَجَائِبِ السَّمَوَاتِ، فَتَلَمَّحِ الشَّمْسَ فِي كُلِّ يَوْمٍ فِي مَنْزِلٍ، فَإِذَا انْخَفَضَتْ بَرَدَ الْهَوَاءُ وَجَاءَ الشِّتَاءُ، وَإِذَا ارْتَفَعَتْ قَوِيَ الْحَرُّ، وَإِذَا كَانَتْ بَيْنَ الْمَنْزِلَتَيْنِ اعْتَدَلَ الزَّمَانُ، وَالشَّمْسُ مِثْلُ الأَرْضِ مِائَةً وَنَيِّفًا وَسِتِّينَ مَرَّةً وَأَصْغَرُ الْكَوَاكِبِ مِثْلُ الأَرْضِ ثَمَانِيَ مَرَّاتٍ. ثُمَّ اخْفِضْ بَصَرَكَ إِلَى الأَرْضِ تَرَى فِجَاجَهَا مُذَلَّلَةً لِلتَّسْخِيرِ، فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَتَفَكَّرُوا فِي شُرْبِهَا بَعْدَ جَدْبِهَا بِكَأْسِ الْقَطْرِ، وَتَلَمَّحْ خُرُوجَ النَّبَاتِ يَرْفُلُ فِي أَلْوَانِ الْحُلَلِ عَلَى اخْتِلافِ الصُّوَرِ وَالطُّعُومِ وَالأَرَايِيحِ، وَانْظُرْ كَيْفَ نَزَلَ الْقَطْرُ إِلَى عِرْقِ الشَّجَرِ، ثُمَّ عَادَ يَنْجَذِبُ إِلَى فُرُوعِهَا. وَيَجْرِي فِي تَجَاوِيفِهَا بِعُرُوقٍ لا تَفْتَقِرُ إلى كلفة.

1 / 67