Tabakat Saniyya
الطبقات السنية في تراجم الحنفية
Türler
Tercüme ve Tabakat
وهي وإن كان مَحلها الفصول المُتقدمة، فقد ذكرناها هُنا على حِدة، لما أنها وقعت إلينا بعد الانتهاء من الترتيب المتقدم، لأن النفس إلى مثل هذا أميل، وإلى مطالعته أرغب، فنقول، وبالله التوفيق: روي عن علي بن مُسهر، أنه قال: خرج الأعمش إلى الحج، فشيعه أهل الكوفة، وأنا فيهم، فلما أتى القادسية، رأوه مَغمومًا، فقالوا له: مالك؟.
قال: أعليُّ بن مسهر شيعنا؟.
قالوا: نعم.
قال: ادعوه لي.
فدعوني، وقد كان عرفني بمجالسة أبي حنيفة، فقال: ارجع إلى المِصر، واسأل أبا حنيفة أن يكتب لنا المناسك.
فرجعت، فسألته، فأملى علي، ثم أتيت بها الأعمش.
وعن أبي مُعاوية، قيل للأعمش في علته: لولا أن أبا حنيفة يأتيك، لأتيناك مرتين في اليوم.
فلما جاءه أبو حنيفة، قال: إن الناس يستثقلونني لما أصنع بهم في الحديث، وقد زدتني أنت عندهم ثقلًا، قالوا لي كيت وكيت.
فقال له: لولا العلم الذي يُجريه الله على لسانك ما رأيتني ولا أحدًا من أصحابي ببابك، وذلك أن فيك خِصالًا أنا لها كارهٌ، تتسحر عند طلوع الفجر، وتقول: هو الأول. وقد صح عندي أنه الثاني، وترى الماء وتُفتي به، وتجامع أهلك، فإذا لم تنزل لم تغتسل، أنت ولا هي، ولولا أنك تتأول من الحديث ما غاب عنك معانيه ما استحللت أن أكلمك، ولكنك تتأول شيئًا غيره، والله أولى بك.
فما تسحر الأعمش بعد ذلك إلا بالليل، ولا قرب أهله إلا اغتسل وأمرها بالغسل، وقال: صيام وصلاةٌ يكونان باختلاف، والله لا أفتيت بذلك أبدًا.
وعن عبد الصمد بن حسان، قال: كان سفيان الثوري يختلف إلى أبي حنيفة، فوقعت بينهما وحشة، فقعد عنه، ثم عاد إليه، فجلس مُتقنعًا، فسئل أبو حنيفة عن مَسألة، فأسرع الجواب فيها، فقال له السائل: يا أبا حنيفة، ألا تنظر فيها؟ قال: إني أستيقن أنها كما أجبت، كما أستيقن أن هذا سُفيان.
ثم أخذ أبو حنيفة بقناعه، فحركه ابن المبارك.
وقال عبد الصمد أيضًا: قلتُ لأبي عبد الله سفيان الثوري: ما تقول في الدعوة قبل الحرب؟ فقال: إن القوم قد علموا ما يُقاتلون عليه.
فقلت: إن أبا حنيفة يقول فيها ما قد بَلغك.
فنكس رأسه، ثم رفعه، وأبصر يمينً وشمالًا فلم ير أحدًا، فقال: إن كان أبو حنيفة ليركب في العلم أحد من سنان الرمح، وكان، والله، شديد الأخذ للعلم، ذابًا عن المحارم، مُتبعًا لأهل بلده، لا يستحيل أن يأخذ إلا بما يصح عنده من الآثار عن النبي ﷺ، شديد المعرفة بناسخ الحديث ومنسوخه، وكان يطلب أحاديث الثقات، والأخير من فعل النبي ﷺ؛ وما أدرك عليه عامة أه لالكوفة، حيث وجد الحق أخذ به، وجعله دينه، وقد شنع عليه قوم بما نستغفر الله منه، بل كان منا اللفظة بعد اللفظة.
قال: فقلت أرجو أن يغفر الله لك ذلك.
وعن قاسم بن آدم، قال: قلت للفضل بن موسى السيناني: ما تقول في هؤلاء الذين يقعون في أبي حنيفة.
قال: إن أبا حنيفة عليم بما يعقلونه، وبما لا يعقلونه من العلم، ولم يترك لهم شيئًا، فحسدوه.
*وحدث أبو سفيان الحميري، قال: قال ابن شبرمة: كنت شديد الإزراء على أبي حنيفة، فحضر الموسم، وكنت حاجًا يومئذٍ، فاجتمع عليه قوم يسألون، فوقفت من حيث لا يعلم من أنا، فجاءه رجل، فقال،: يا أبا حنيفة، قصدتك عن أمر قد أهمني، أو أعجزني.
قال: ما هو؟ قال: لي ولد ليس لي غيره، فإن زوجته طلق، وإن سريته أعتق، وقد عجزت عن هذا، قهل من حيلة؟ فقال له للوقت: اشتر الجارية التي يرضاها لنفسه هو، ثم زوجها منه، فإن طلقها رجعت مملوكتك، وإن أعتق أعتق ما لا يملك.
قال: فعلمت أن الرجل فقيه من يومئذ، فكففت عن ذكره إلا بخير.
وروى عن الليث بن سعد، أنه كان يقول: كنت أسمع بذكر أبي حنيفة، وأتمنى أن أراه، فكنت يومًا في المسجد الحرام، فرأيت حلقة عليها الناس منقضين، فأقبلت نحوها، فرأيت رجلًا من أهل خراسان أتى أبا حنيفة، فقال: أنا رجل من أهل خُراسان، كثير المال، وأن لي أبنًا ليس بالمحمود. وليس له ولد غيره، وذكر نحو ما تقدم.
قال الليث: فوالله ما أعجبني قوله بأكثر مما أعجبني سرعة جوابه.
*وعن عثمان بن زائدة، قال: كنت عند أبي حنيفة، فقال له رجل: ما قولك في الشرب في قدح أو كأس في بعض جوانبه فضة؟ فقال: لا بأس به.
فقال عثمان: فقلت له: مالحجة في ذلك؟
1 / 47