طَبَقَاتُ الْمُحَدِّثِينَ بِأَصْبَهَانَ لِأَبِي الشَّيْخِ الْأَصْبَهَانِيِّ الْحَمْدُ لِلَّهِ حَقَّ حَمْدِهِ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ، وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ كَثِيرًا أَخْبَرَنَا شَيْخُنَا أَبُو الحَجَّاجِ يُوسُفُ بْنُ خَلِيلِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الدِّمَشْقِيُّ قَالَ: أبنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي زَيْدٍ الْكَرَّانِيُّ قَالَ: أبنا أَبُو طَاهِرٍ إِسْحَاقُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ جَعْفَرٍ الرَّاشتيناتيُّ، قَالَ شَيْخُنَا: وأبنا أَبُو الْمَحَاسِنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسِن بْنش الْحُسَيْنِ بْنِ الْأَصْفَهْبَدِ وَقَالَ: أبنا أَبُو الْفَضْلِ جَعْفَرُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ الثَّقَفِيُّ قَالَا: أبنا أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي عَلِيٍّ الذَّكْوَانِيُّ قَالَ: أبنا الْإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفرِ بْنِ حَيَّانَ الْمَعْرُوفُ بِأَبِي الشَّيْخِ ﵀ قَالَ: هَذَا كِتَابُ «طَبَقَاتِ أَسْمَاءِ الْمُحَدِّثِينَ مِمَّنْ قَدِمَ أَصْبَهَانَ» مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ كَانَ بِهَا وَقْتَ فَتْحِهَا إِلَى زَمَانِنَا هَذَا مَعَ ذِكْرِ كُلِّ مَنْ تَفَرَّدَ بِهِ وَاحِدٌ مِنْهُمْ بِذَلِكَ الْحَدِيثِ وَلَمْ يَرْوِهِ غَيْرُهُ بِذَلِكَ الْإِسْنَادِ أَوْ حَدِيثٍ مِنْ حَدِيثِهِ، وَذِكْرِ أَنْسَابِهِمْ وَأَسَامِيهِمْ وَمَوْتِهِمْ عَلَى مَا رُوِيَ لَنَا وَذُكِرَ، وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ وَهُوَ حَسْبُنَا وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. وَأَوَّلُ مَا نَذْكُرُ فِي كِتَابِنَا هَذَا: مَا رُوِيَ لَنَا فِي فَضْلِ بَلَدِنَا مِنْ دَعْوَةِ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ ﵇ وَمَا قِيلَ فِي ذَلِكَ
1 / 1
مُقَدِّمَةٌ هَذَا كِتَابُ «طَبَقَاتِ أَسْمَاءِ الْمُحَدِّثِينَ مِمَّنْ قَدِمَ أَصْبَهَانَ» مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ كَانَ بِهَا وَقْتَ فَتْحِهَا إِلَى زَمَانِنَا هَذَا مَعَ ذِكْرِ كُلِّ مَنْ تَفَرَّدَ بِهِ وَاحِدٌ مِنْهُمْ بِذَلِكَ الْحَدِيثِ وَلَمْ يَرْوِهِ غَيْرُهُ بِذَلِكَ الْإِسْنَادِ أَوْ حَدِيثٍ مِنْ حَدِيثِهِ، وَذِكْرِ أَنْسَابِهِمْ وَأَسَامِيهِمْ وَمَوْتِهِمْ عَلَى مَا رُوِيَ لَنَا وَذُكِرَ، وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ وَهُوَ حَسْبُنَا وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. وَأَوَّلُ مَا نَذْكُرُ فِي كِتَابِنَا هَذَا: مَا رُوِيَ لَنَا فِي فَضْلِ بَلَدِنَا مِنْ دَعْوَةِ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ ﵇ وَمَا قِيلَ فِي ذَلِكَ
1 / 147
بَيَانُ مَا وَرَدَ فِي فَضْلِ أَصْبَهَانَ
سَمِعْتُ مَنْ حَكَى، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ النَّحْوِيِّ قَالَ: " خَرَجَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ أَصْبَهَانَ إِلَى ذِي الرِّيَاسَتَيْنِ فِي حَوَائِجَ لَهُمْ فَقَالَ ذُو الرِّيَاسَتَيْنِ: مِنْ أَيْنَ أَنْتُمْ؟ قَالُوا مِنْ أَهْلِ أَصْبَهَانَ قَالَ: أَنْتُمْ مِنَ الَّذِينَ لَا يَزَالُ فِيهِمْ ثَلَاثُونَ رَجُلًا مُسْتَجَابِي الدُّعَاءِ قَالُوا: وَكَيْفَ ذَلِكَ؟ قَالَ ⦗١٤٩⦘: إِنَّ نَمْرُوذَ بْنَ كَنْعَانَ لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَصْعَدَ إِلَى السَّمَاءِ كَتَبَ فِي الْبُلْدَانِ يَدْعُوهُمْ إِلَى مُحَارَبَةِ رَبِّ الْعَالَمِينَ فَأَجَابُوهُ كُلُّهُمْ إِلَّا أَهْلَ أَصْبَهَانَ فَحَمَلَ مِنْهُمْ ثَلَاثِينَ رَجُلًا مُقَيَّدِينَ فَلَمَّا أَنْ نَظَرُوا فِي وَجْهِ إِبْرَاهِيمَ ﷺ آمَنُوا بِهِ، فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: اللَّهُمَّ اجْعَلْ أَبَدًا بِأَصْبَهَانَ ثَلَاثِينَ رَجُلًا تَسْتَجِيبُ دُعَاءَهُمْ، فَلَا يَزَالُ أَبَدًا بِأَصْبَهَانَ ثَلَاثُونَ رَجُلًا يُسْتَجَابُ دُعَاؤُهُمْ "
سَمِعْتُ مَنْ حَكَى، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ النَّحْوِيِّ قَالَ: " خَرَجَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ أَصْبَهَانَ إِلَى ذِي الرِّيَاسَتَيْنِ فِي حَوَائِجَ لَهُمْ فَقَالَ ذُو الرِّيَاسَتَيْنِ: مِنْ أَيْنَ أَنْتُمْ؟ قَالُوا مِنْ أَهْلِ أَصْبَهَانَ قَالَ: أَنْتُمْ مِنَ الَّذِينَ لَا يَزَالُ فِيهِمْ ثَلَاثُونَ رَجُلًا مُسْتَجَابِي الدُّعَاءِ قَالُوا: وَكَيْفَ ذَلِكَ؟ قَالَ ⦗١٤٩⦘: إِنَّ نَمْرُوذَ بْنَ كَنْعَانَ لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَصْعَدَ إِلَى السَّمَاءِ كَتَبَ فِي الْبُلْدَانِ يَدْعُوهُمْ إِلَى مُحَارَبَةِ رَبِّ الْعَالَمِينَ فَأَجَابُوهُ كُلُّهُمْ إِلَّا أَهْلَ أَصْبَهَانَ فَحَمَلَ مِنْهُمْ ثَلَاثِينَ رَجُلًا مُقَيَّدِينَ فَلَمَّا أَنْ نَظَرُوا فِي وَجْهِ إِبْرَاهِيمَ ﷺ آمَنُوا بِهِ، فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: اللَّهُمَّ اجْعَلْ أَبَدًا بِأَصْبَهَانَ ثَلَاثِينَ رَجُلًا تَسْتَجِيبُ دُعَاءَهُمْ، فَلَا يَزَالُ أَبَدًا بِأَصْبَهَانَ ثَلَاثُونَ رَجُلًا يُسْتَجَابُ دُعَاؤُهُمْ "
1 / 148
وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ أَحْمَدَ الْفَارِسِيُّ، ثني أَبُو صَالِحٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ الضَّرَّابُ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: ثنا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ، عَنْ رَجُلٍ ذَكَرَهُ، عَنْ خُصَيْبِ بْنِ جَحْدَرٍ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ قَالَ: " لَمَّا تَأَبَّى نَمْرُوذُ، وَجَحَدَ قُدْرَةَ الرَّبِّ ﷿ بَعَثَ إِلَى أَهْلِ النَّوَاحِي ⦗١٥٠⦘ يَحْشُرُهُمْ لِمُحَارَبَةِ رَبِّ الْعِزَّةِ فَتَفَرَّقُوا وَصَارُوا فِي جِبَالِ أَصْبَهَانَ وَقَالُوا: كَلَّا لَا نَجْحَدُ قُدْرَةَ الرَّبِّ رَبِّ السَّمَاءِ فَأَنْبَتَ اللَّهُ فِي تُرْبَتِهَا الزَّعْفَرَانَ وَأَلْقَى فِي جِبَالِهَا الشَّهْدَ فَبِهَا سَمَّى أَصْبَهَانَ أَيْ: وأصبه آن نه كه كافربند "
1 / 149
قَالَ إِسْحَاقُ: وَحَدَّثَنَا بِمَارَبِينَ يُوشَعُ بْنُ نُونٍ، وَذَلِكَ أَنَّهُ يُقَالُ «كَانَ يَجُولُ فِي الدُّنْيَا فَدَخَلَ أَصْبَهَانَ فَنَزَلَ الْمَوْضِعَ الَّذِي يُدْعَى مَارَبِينَ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ مَارَبِينَ لِأَنَّهُمْ بَصُرُوا بِحَيَّةٍ ارْتَفَعَتْ مِنَ الْأَرْضِ فَقِيلَ لِيُوشَعَ مَارَبِينُ أَيِ انْظُرْ إِلَى الْحَيَّةِ فَسُمِّيَ مَارَبِينَ بِهَا»
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ فُورَكٍ، قَالَ: ثنا عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا شَاذَّةُ بْنُ الْمِسْوَرِ، قَالَ: ثنا نُصَيْرُ بْنُ الْأَزْهَرِ، قَالَ: ثنا أَبُو عُبَيْدٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى النَّاجِيُّ، قَالَ: وَجَدْتُ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ " زَعَمَ بِأَنَّ نَمْرُوذَ بْنَ كَنْعَانَ كَتَبَ فِي الْبِلَادِ يَسْتَمِدُّهُمْ لِمُحَارَبَةِ رَبِّهِ ﵎ فَأَجَابُوهُ كُلُّهُمْ إِلَّا أَهْلَ أَصْبَهَانَ فَإِنَّهُمْ قَالُوا: نَحْنُ لَا طَاقَةَ لَنَا ⦗١٥١⦘ بِمُحَارَبَةِ رَبِّ الْعَالَمِينَ أَوْ قَالَ رَبِّ السَّمَاءِ قَالَ: فَشَكَرَ اللَّهُ ذَلِكَ لَهُمْ فَطَيَّبَ مَاءَهُمْ وَطَيَّبَ فَوَاكِهَهُمْ وَطَيَّبَ هَوَاءَهُمْ " حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ رُسْتُمَ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَرْعُورَسْتَةَ، قَالَ: ثنا أَبُو عَلِيِّ ابْنُ أُخْتِ خَالِدِ بْنِ الْحَارِثِ الْهُجَيْمِيُّ قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ بْنُ حُمَيْدِ، ابْنِ أَخِي عُرْوَةَ فَذَكَرَ نَحْوَهُ سَمِعْتُ بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُ: سَارَ ذُو الْقَرْنَيْنِ فِي طَلَبِ مَاءِ الْحَيَوَانِ، فَطَافَ الدُّنْيَا بِشَرْقِهَا وَغَرْبِهَا فَأَخَذَ عَلَى الْبَرِّ، ثُمَّ رَجَعَ عَلَى الْبَحْرِ فَبَلَغَنَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَدَعْ مَدِينَةً إِلَّا دَخَلَهَا عَنْوَةً أَوْ صُلْحًا حَتَّى انْتَهَى إِلَى أَصْبَهَانَ وَدَخَلَ مَدِينَتَهَا فَلَمْ يَنْزِلْ فِيهَا وَخَرَجَ عَنْهَا حَتَّى بَلَغَ بَابَهَا الشَّرْقِيَّ ثُمَّ دَعَا الْفَعَلَةَ فَقَالَ: احْفِرُوا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ حُفْرَةً حَتَّى تَبْلُغُوا إِلَى الْمَاءِ فَحَفَرُوا خَارِجَ الْبَابِ حُفْرَةً حَتَّى بَلَغُوا الْمَاءَ فِي سَاعَةٍ وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى دَابَّتِهِ فَقَالُوا: قَدْ بَلَغْنَا الْمَاءَ فَقَالَ: اكْبِسُوهَا وَرُدُّوا مَا أَخَرَجْتُمْ مِنْهَا فِي مَوْضِعِهِ حَتَّى تُعِيدُوهَا كَمَا كَانَ، فَفَعَلُوا ذَلِكَ فَلَمْ يَرْمِ مَا أُخْرِجَ وَاحْتَاجَ إِلَى ⦗١٥٢⦘ زِيَادَةٍ فَقَالُوا: أَيُّهَا الْمَلِكُ قَدْ رَدَدْنَا مَا حَفَرْنَا مِنْهُ إِلَى الْمَوْضِعِ فَلَمْ تَسْتَوِ الْحُفْرَةُ وَلَا رَجَعَتْ إِلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ فَقَالَ: هَذِهِ مَدِينَةٌ قَحْطِيَّةٌ لَا تَخْلُو مِنْ قَحْطِ الْمَطَرِ وَالسِّعْرِ الْغَالِي، ثُمَّ ارْتَحَلَ عَنْهَا مِنْ سَاعَتِهِ وَمَضَى وَسَمِعْتُ الطَّحَّانَ يَحْكِي مِرَارًا كَثِيرَةً قَالَ: قَالَ لِيَ ابْنُ زُغْبَةَ بِمِصْرَ: بَلَغَنِي يَا أَهْلَ أَصْبَهَانَ أَنَّ سَهْلَكُمْ زَعْفَرَانُ، وَجَبَلَكُمْ عَسَلٌ وَلَكُمْ فِي كُلِّ دَارٍ عَيْنُ مَاءٍ عَذْبٍ، فَقُلْتُ: كَذَلِكَ بَلَدُنَا فَقَالَ: لَا أُصَدِّقُ هَذَا، هَذِهِ الْجَنَّةُ بِعَيْنِهَا وَذُكِرَ أَنَّ الْحَجَّاجَ بْنَ يُوسُفَ وَلَّى عَلَى أَصْبَهَانَ وَهْزَاذَ بْنَ يَزْدَادَ ٣ ⦗١٥٣⦘ الْأَنْبَارِيَّ وَكَانَ ابْنَ عَمٍّ لِكَاتِبِهِ فَكَتَبَ فِي بَعْضِ أَوْقَاتِ مَقَامِهِ بِأَصْبَهَانَ إِلَى الْحَجَّاجِ كِتَابًا وَصَفَ فِيهِ اخْتِلَالَ حَالِ أَصْبَهَانَ وَيَسْأَلُهُ نَظَرًا لَهُمْ بِبَعْضِ خَرَاجِهِمْ فَكَتَبَ إِلَيْهِ الْحَجَّاجُ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي اسْتَعْمَلْتُكَ يَا وَهْزَاذُ عَلَى أَصْبَهَانَ أَوْسَعِ الْمَمْلَكَةِ رُقْعَةً وَعَمَلًا وَأَكْثَرِهَا خَرَاجًا بَعْدَ فَارِسَ، وَالْأَهْوَازِ، وَأَزْكَاهَا أَرْضًا، حَشِيشُهَا الزَّعْفَرَانُ وَالْوَرْدُ، وَجِبَالُهَا الْإِثْمِدُ وَالْفِضَّةُ وَأَشْجَارُهَا الْجَوْزُ، وَاللَّوْزُ، وَالْكُرُومُ الْكَرِيمَةُ، وَالْفَوَاكِهُ الْعَذْبَةُ طَيْرُهَا عَوَامِلُ الْعَسَلِ وَمَاؤُهَا فُرَاتٌ وَخَيْلُهَا الْمَاذِيَانَاتُ الْجِيَادُ أَنْظَفُ بِلَادِ اللَّهِ طَعَامًا، وَأَلْطَفُهَا شَرَابًا وَأَصَحُّهَا تُرَابًا وَأَوْفَقُهَا هَوَاءً، وَأَرْخَصُهَا لَحْمًا وَأَطْوَعُهَا أَهْلًا وَأَكْثَرُهَا صَيْدًا، فَأَنَخْتَ يَا وَهْزَاذُ عَلَيْهَا بِكَلْكَلٍ اضْطُرَّ أَهْلُهَا إِلَى مَسْأَلَتِكَ مَا سَأَلْتَ لَهُمْ لِتَفُوزَ بِمَا يُوضَعُ عَنْهُمْ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بَاطِلًا وَلَا أَبْعَدَكَ عَنْ ظَنِّ السُّوءِ فَسَتَرُدَّ فَتَعْلَمَ، وَإِنْ صَدَقْتَ فِي بَعْضِهِ فَقَدْ أَخْرَبْتَ الْبَلَدَ، أَتَظُنُّ يَا وَهْزَاذُ أَنَّا نُنْفِذُ لَكَ مَا مَوَّهْتَ وَسَحَرْتَ مِنَ الْقَوْلِ وَقَعَدْتَ تُشِيرُ عَلَيْنَا بِهِ، فَعَضَّ يَا وَهْزَاذُ عَلَى غُرْلَةِ أَيْرِ أَبِيكَ وَمُصَّ بَظْرَ أُمِّكَ، فَأَيْمُ اللَّهِ لَتَبْعَثَنَّ إِلَيَّ بِخَرَاجِ أَصْبَهَانَ كُلِّهِ أَوْ لَأَجْعَلَنَّكَ طَوَابِيقَ عَلَى أَبْوَابِ مَدِينَتِهَا فَاخْتَرْ لِنَفْسِكَ أَوْفَقَ الْأَمْرَيْنِ لَهَا أَوْ ذَرْ وَالسَّلَامُ ⦗١٥٤⦘ وَوُجِدَ فِي كِتَابِ الْأَوَائِلِ قَالَ: فَانْتَفَضُوا بِلَادَ الْمَمْلَكَةِ وَبِقَاعَهَا، فَلَمْ يَجِدُوا تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ بَلَدًا أَجْمَعَ لِمَا طَلَبُوا مِنَ الْفُنُونِ الَّتِي يَخْتَارُونَهَا مِنَ الْأَشْيَاءِ مِنْ بِقَاعِ الْأَرْضِ وَبُلْدَانِ الْإِقْلِيمِ أَصَحَّهَا تُرْبَةً وَأَقَلَّهَا عُفُونَةً وَأَبْعَدَهَا مِنَ الزَّلَازِلِ وَالْخُسُوفِ، وَأَعْلَكَهَا طِينًا وَأَبْقَاهَا عَلَى الدَّهْرِ بِنَاءً فَلَمْ يَجِدُوا تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ بَلَدًا أَجْمَعَ لِهَذِهِ الْأَوْصَافِ مِنْ أَصْبَهَانَ، ثُمَّ فَتَّشُوا عَنْ بِقَاعِ هَذَا الْبَلَدِ فَلَمْ يَجِدُوا فِيهَا أَفْضَلَ مِنْ رُسْتَاقِ جَيٍّ، وَلَا وَجَدُوا فِي رُسْتَاقِ جَيٍّ أَجْمَعَ لِمَا رَامَوْهُ مِنْ مَدِينَةِ جَيٍّ
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ فُورَكٍ، قَالَ: ثنا عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا شَاذَّةُ بْنُ الْمِسْوَرِ، قَالَ: ثنا نُصَيْرُ بْنُ الْأَزْهَرِ، قَالَ: ثنا أَبُو عُبَيْدٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى النَّاجِيُّ، قَالَ: وَجَدْتُ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ " زَعَمَ بِأَنَّ نَمْرُوذَ بْنَ كَنْعَانَ كَتَبَ فِي الْبِلَادِ يَسْتَمِدُّهُمْ لِمُحَارَبَةِ رَبِّهِ ﵎ فَأَجَابُوهُ كُلُّهُمْ إِلَّا أَهْلَ أَصْبَهَانَ فَإِنَّهُمْ قَالُوا: نَحْنُ لَا طَاقَةَ لَنَا ⦗١٥١⦘ بِمُحَارَبَةِ رَبِّ الْعَالَمِينَ أَوْ قَالَ رَبِّ السَّمَاءِ قَالَ: فَشَكَرَ اللَّهُ ذَلِكَ لَهُمْ فَطَيَّبَ مَاءَهُمْ وَطَيَّبَ فَوَاكِهَهُمْ وَطَيَّبَ هَوَاءَهُمْ " حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ رُسْتُمَ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَرْعُورَسْتَةَ، قَالَ: ثنا أَبُو عَلِيِّ ابْنُ أُخْتِ خَالِدِ بْنِ الْحَارِثِ الْهُجَيْمِيُّ قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ بْنُ حُمَيْدِ، ابْنِ أَخِي عُرْوَةَ فَذَكَرَ نَحْوَهُ سَمِعْتُ بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُ: سَارَ ذُو الْقَرْنَيْنِ فِي طَلَبِ مَاءِ الْحَيَوَانِ، فَطَافَ الدُّنْيَا بِشَرْقِهَا وَغَرْبِهَا فَأَخَذَ عَلَى الْبَرِّ، ثُمَّ رَجَعَ عَلَى الْبَحْرِ فَبَلَغَنَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَدَعْ مَدِينَةً إِلَّا دَخَلَهَا عَنْوَةً أَوْ صُلْحًا حَتَّى انْتَهَى إِلَى أَصْبَهَانَ وَدَخَلَ مَدِينَتَهَا فَلَمْ يَنْزِلْ فِيهَا وَخَرَجَ عَنْهَا حَتَّى بَلَغَ بَابَهَا الشَّرْقِيَّ ثُمَّ دَعَا الْفَعَلَةَ فَقَالَ: احْفِرُوا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ حُفْرَةً حَتَّى تَبْلُغُوا إِلَى الْمَاءِ فَحَفَرُوا خَارِجَ الْبَابِ حُفْرَةً حَتَّى بَلَغُوا الْمَاءَ فِي سَاعَةٍ وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى دَابَّتِهِ فَقَالُوا: قَدْ بَلَغْنَا الْمَاءَ فَقَالَ: اكْبِسُوهَا وَرُدُّوا مَا أَخَرَجْتُمْ مِنْهَا فِي مَوْضِعِهِ حَتَّى تُعِيدُوهَا كَمَا كَانَ، فَفَعَلُوا ذَلِكَ فَلَمْ يَرْمِ مَا أُخْرِجَ وَاحْتَاجَ إِلَى ⦗١٥٢⦘ زِيَادَةٍ فَقَالُوا: أَيُّهَا الْمَلِكُ قَدْ رَدَدْنَا مَا حَفَرْنَا مِنْهُ إِلَى الْمَوْضِعِ فَلَمْ تَسْتَوِ الْحُفْرَةُ وَلَا رَجَعَتْ إِلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ فَقَالَ: هَذِهِ مَدِينَةٌ قَحْطِيَّةٌ لَا تَخْلُو مِنْ قَحْطِ الْمَطَرِ وَالسِّعْرِ الْغَالِي، ثُمَّ ارْتَحَلَ عَنْهَا مِنْ سَاعَتِهِ وَمَضَى وَسَمِعْتُ الطَّحَّانَ يَحْكِي مِرَارًا كَثِيرَةً قَالَ: قَالَ لِيَ ابْنُ زُغْبَةَ بِمِصْرَ: بَلَغَنِي يَا أَهْلَ أَصْبَهَانَ أَنَّ سَهْلَكُمْ زَعْفَرَانُ، وَجَبَلَكُمْ عَسَلٌ وَلَكُمْ فِي كُلِّ دَارٍ عَيْنُ مَاءٍ عَذْبٍ، فَقُلْتُ: كَذَلِكَ بَلَدُنَا فَقَالَ: لَا أُصَدِّقُ هَذَا، هَذِهِ الْجَنَّةُ بِعَيْنِهَا وَذُكِرَ أَنَّ الْحَجَّاجَ بْنَ يُوسُفَ وَلَّى عَلَى أَصْبَهَانَ وَهْزَاذَ بْنَ يَزْدَادَ ٣ ⦗١٥٣⦘ الْأَنْبَارِيَّ وَكَانَ ابْنَ عَمٍّ لِكَاتِبِهِ فَكَتَبَ فِي بَعْضِ أَوْقَاتِ مَقَامِهِ بِأَصْبَهَانَ إِلَى الْحَجَّاجِ كِتَابًا وَصَفَ فِيهِ اخْتِلَالَ حَالِ أَصْبَهَانَ وَيَسْأَلُهُ نَظَرًا لَهُمْ بِبَعْضِ خَرَاجِهِمْ فَكَتَبَ إِلَيْهِ الْحَجَّاجُ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي اسْتَعْمَلْتُكَ يَا وَهْزَاذُ عَلَى أَصْبَهَانَ أَوْسَعِ الْمَمْلَكَةِ رُقْعَةً وَعَمَلًا وَأَكْثَرِهَا خَرَاجًا بَعْدَ فَارِسَ، وَالْأَهْوَازِ، وَأَزْكَاهَا أَرْضًا، حَشِيشُهَا الزَّعْفَرَانُ وَالْوَرْدُ، وَجِبَالُهَا الْإِثْمِدُ وَالْفِضَّةُ وَأَشْجَارُهَا الْجَوْزُ، وَاللَّوْزُ، وَالْكُرُومُ الْكَرِيمَةُ، وَالْفَوَاكِهُ الْعَذْبَةُ طَيْرُهَا عَوَامِلُ الْعَسَلِ وَمَاؤُهَا فُرَاتٌ وَخَيْلُهَا الْمَاذِيَانَاتُ الْجِيَادُ أَنْظَفُ بِلَادِ اللَّهِ طَعَامًا، وَأَلْطَفُهَا شَرَابًا وَأَصَحُّهَا تُرَابًا وَأَوْفَقُهَا هَوَاءً، وَأَرْخَصُهَا لَحْمًا وَأَطْوَعُهَا أَهْلًا وَأَكْثَرُهَا صَيْدًا، فَأَنَخْتَ يَا وَهْزَاذُ عَلَيْهَا بِكَلْكَلٍ اضْطُرَّ أَهْلُهَا إِلَى مَسْأَلَتِكَ مَا سَأَلْتَ لَهُمْ لِتَفُوزَ بِمَا يُوضَعُ عَنْهُمْ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بَاطِلًا وَلَا أَبْعَدَكَ عَنْ ظَنِّ السُّوءِ فَسَتَرُدَّ فَتَعْلَمَ، وَإِنْ صَدَقْتَ فِي بَعْضِهِ فَقَدْ أَخْرَبْتَ الْبَلَدَ، أَتَظُنُّ يَا وَهْزَاذُ أَنَّا نُنْفِذُ لَكَ مَا مَوَّهْتَ وَسَحَرْتَ مِنَ الْقَوْلِ وَقَعَدْتَ تُشِيرُ عَلَيْنَا بِهِ، فَعَضَّ يَا وَهْزَاذُ عَلَى غُرْلَةِ أَيْرِ أَبِيكَ وَمُصَّ بَظْرَ أُمِّكَ، فَأَيْمُ اللَّهِ لَتَبْعَثَنَّ إِلَيَّ بِخَرَاجِ أَصْبَهَانَ كُلِّهِ أَوْ لَأَجْعَلَنَّكَ طَوَابِيقَ عَلَى أَبْوَابِ مَدِينَتِهَا فَاخْتَرْ لِنَفْسِكَ أَوْفَقَ الْأَمْرَيْنِ لَهَا أَوْ ذَرْ وَالسَّلَامُ ⦗١٥٤⦘ وَوُجِدَ فِي كِتَابِ الْأَوَائِلِ قَالَ: فَانْتَفَضُوا بِلَادَ الْمَمْلَكَةِ وَبِقَاعَهَا، فَلَمْ يَجِدُوا تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ بَلَدًا أَجْمَعَ لِمَا طَلَبُوا مِنَ الْفُنُونِ الَّتِي يَخْتَارُونَهَا مِنَ الْأَشْيَاءِ مِنْ بِقَاعِ الْأَرْضِ وَبُلْدَانِ الْإِقْلِيمِ أَصَحَّهَا تُرْبَةً وَأَقَلَّهَا عُفُونَةً وَأَبْعَدَهَا مِنَ الزَّلَازِلِ وَالْخُسُوفِ، وَأَعْلَكَهَا طِينًا وَأَبْقَاهَا عَلَى الدَّهْرِ بِنَاءً فَلَمْ يَجِدُوا تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ بَلَدًا أَجْمَعَ لِهَذِهِ الْأَوْصَافِ مِنْ أَصْبَهَانَ، ثُمَّ فَتَّشُوا عَنْ بِقَاعِ هَذَا الْبَلَدِ فَلَمْ يَجِدُوا فِيهَا أَفْضَلَ مِنْ رُسْتَاقِ جَيٍّ، وَلَا وَجَدُوا فِي رُسْتَاقِ جَيٍّ أَجْمَعَ لِمَا رَامَوْهُ مِنْ مَدِينَةِ جَيٍّ
1 / 150
أَخْبَرَنَا أَبُو خَلِيفَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، ﵀ قَالَ: «لَوْ لَمْ أَكُنْ رَجُلًا مِنْ قُرَيْشٍ لَأَحْبَبْتُ أَنْ أَكُونَ مِنْ أَهْلِ فَارِسَ أَوْ مِنْ أَصْبَهَانَ»
سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ الْمُذَكِّرَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْعَبَّاسِ الدَّقَّاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ بَعْضَ الْمُحَدِّثِينَ يَقُولُ: دَخَلَ أَيُّوبُ بْنُ زِيَادٍ ⦗١٥٥⦘ الْأَصْبَهَانِيُّ عَلَى الْمَأْمُونِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ: يَا أَيُّوبُ صِفْ لِي أَصْبَهَانَ وَأَوْجِزْ: فَقَالَ: " يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ هَوَاؤُهَا طَيِّبٌ وَمَاؤُهَا عَذْبٌ وَحَشِيشُهَا الزَّعْفَرَانُ وَجِبَالُهَا الْعَسَلُ، غَيْرَ أَنَّهَا لَا تَخْلُو مِنْ خِلَالٍ أَرْبَعَ: جَوْرُ سُلْطَانٍ، وَغَلَاءُ السِّعْرِ، وَقِلَّةُ الْمَطَرِ، وَفَقْدُ مِيَاهٍ "، فَأَطْرَقَ الْمَأْمُونُ سَاعَةً وَبِيَدِهِ قَضِيبٌ يَنْكُتُ بِهِ الْأَرْضَ فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: يَا أَيُّوبُ لَعَلَّ قُرَّاءَهَا مُنَافِقُونَ، ثُنَّاءَهَا شَرَبَةُ خُمُورٍ، وَتُجَّارُهَا مُرْبُونَ، وَفِي أَطْرَافِهَا لَا يُصَلُّونَ "
سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ الْمُذَكِّرَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْعَبَّاسِ الدَّقَّاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ بَعْضَ الْمُحَدِّثِينَ يَقُولُ: دَخَلَ أَيُّوبُ بْنُ زِيَادٍ ⦗١٥٥⦘ الْأَصْبَهَانِيُّ عَلَى الْمَأْمُونِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ: يَا أَيُّوبُ صِفْ لِي أَصْبَهَانَ وَأَوْجِزْ: فَقَالَ: " يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ هَوَاؤُهَا طَيِّبٌ وَمَاؤُهَا عَذْبٌ وَحَشِيشُهَا الزَّعْفَرَانُ وَجِبَالُهَا الْعَسَلُ، غَيْرَ أَنَّهَا لَا تَخْلُو مِنْ خِلَالٍ أَرْبَعَ: جَوْرُ سُلْطَانٍ، وَغَلَاءُ السِّعْرِ، وَقِلَّةُ الْمَطَرِ، وَفَقْدُ مِيَاهٍ "، فَأَطْرَقَ الْمَأْمُونُ سَاعَةً وَبِيَدِهِ قَضِيبٌ يَنْكُتُ بِهِ الْأَرْضَ فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: يَا أَيُّوبُ لَعَلَّ قُرَّاءَهَا مُنَافِقُونَ، ثُنَّاءَهَا شَرَبَةُ خُمُورٍ، وَتُجَّارُهَا مُرْبُونَ، وَفِي أَطْرَافِهَا لَا يُصَلُّونَ "
1 / 154
ذِكْرُ الْأَشْيَاءِ الَّتِي خُصَّتْ بِهَا أَصْبَهَانُ ذَكَرُوا أَنَّ بِوَادِيَ أَصْبَهَانَ زَرَنْرُوذَ مَفِيضٌ يُسَمَّى هَنَّامٌ لَيْسَ فِي الْأَرْضِ مَفِيضٌ أَعْجَبَ مِنْهُ،
1 / 155
وَذَلِكَ أَنَّ الْأَوْدِيَةَ الْكِبَارَ مَصَبُّهَا إِلَى الْبِحَارِ، وَوَادِي زَرَنْرُوذَ يَنْصَبُّ فِي هَذَا الْمَفِيضِ وَهُوَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ فَرْسَخًا فِي فَرْسَخَيْنِ لَا يَرْتَفِعُ الْمَاءُ فِي حَافَّاتِهِ عَنِ الْمِقْدَارِ الْمَعْهُودِ، وَلَا يَنْقُصُ أَسْرَفَ الْمَدُّ أَمْ قَصَدَ، وَيُفَرِّخُ فِيهِ طَيْرُ الْمَاءِ، فَأَمَّا غَيْرُ الطَّيْرِ فَلَا يَقْدِرُ أَنْ يَقْرَبَهُ لِأَنَّهُ يَغُوصُ فِيهِ حَتَّى لَا يُرَى مِنْهُ شَيْءٌ، وَبَيْنَ يَدَيْ هَذَا الْمَفِيضِ مَيْدَانٌ مُمْتَدٌّ إِلَى كَرْمَانَ كَسَطْرٍ مَمْدُودٍ لَا يَزِيدُ عَرْضُهُ عَلَى عَرْضِ الْمَيْدَانِ يَنْبُتُ الْقِلَامُ وَالطُّرَفَاءُ فِي جَانِبٍ مِنْهُ جَبَلٌ مِنْ طِينِ مَمْدُودٍ فَزِيَادَةُ مِيَاهِ كَرْمَانَ فِي أَيَّامِ الرَّبِيعِ يَكُونُ مِنْ وَادِي زَرَنْرُوذَ وَبِقَرْيَةِ دزيه مِنْ رُسْتَاقِ رويد شت رِمَالٌ كَأَنَّهَا جِبَالٌ لَا تَتَحَرَّكُ أَصْلًا وَلَوْ دَامَ هُبُوبُ الرِّيَاحِ الْعَاصِفَةِ عَلَيْهَا أَيَّامًا وَلَا يَدْخُلُ الزُّرُوعَ مِنْهَا شَيْءٌ، وَبِقَاشَانَ فِي شِقِّ (دَارِمٍ) قَرْيَةٌ يُقَالُ لَهَا: هَذَا سُكَّانُ مِنْ آبِرُونَ عَلَى نِصْفِ فَرْسَخٍ فِيهَا حِصْنٌ
1 / 156
عَلَيْهَا خَنْدَقٌ وَيَطِيفُ بِهَذَا الْخَنْدَقِ رِمَالٌ كَالْجِبَالِ سَائِلُهُ تَنْتَقِلُ حَوَالَيِ الْخَنْدَقِ مِنْ بُقْعَةٍ إِلَى بُقْعَةٍ وَلَا يَدْخُلُ الْخَنْدَقَ مِنْهَا شَيْءٌ وَلَا حَبَّةٌ وَاحِدَةٌ فَإِنْ ذَهَبَ إِنْسَانٌ فَأَخَذَ مِنْ هَذَا الرَّمَلِ قَبْضَةً فَرَمَى بِهَا فِي هَذَا الْخَنْدَقِ هَبَّتْ مِنْ وَقْتِهَا رِيحٌ فَرَفَعَتْ ذَلِكَ الرَّمَلَ فِي الْهَوَاءِ إِلَى فَوْقُ حَتَّى تَكْسِحَ أَرْضَ الْخَنْدَقِ مِنْهُ، وَعَلَى هَذِهِ الْقَرْيَةِ صَحْرَاءُ يُقَالُ لَهُ فَأْسٌ مَسَافَتُهَا فَرْسَخٌ فِي فَرْسَخٍ هِيَ بَيْنَ هَذِهِ الرِّمَالِ وَمُزْدَرَعُ هَذِهِ الْقَرْيَةِ فِيهَا سَبِيلُ هَذَا الصَّحْرَاءِ فِي نُتُوِّ الرَّمَلِ، وَفِيهَا سَبِيلُ الْخَنْدَقِ وَفِي هَذَا الصَّحْرَاءِ أُعْجُوبَةٌ أُخْرَى وَهِيَ أَنَّ مَوَاشِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ تَخْرُجُ إِلَيْهَا لِلرَّعْيِ فَتُخْلَطُ السِّبَاعُ بِهَا مُقْبِلَةٌ مِنَ الْبَرِّ وَلَا تَتَعَرَّضُ لِشَيْءٍ مِنْهَا، وَيَدَّعِي أَهْلُ هَذِهِ الْقَرْيَةِ وَيَشْهَدُ لَهُمْ بِصِدْقِ دَعْوَاهُمْ أَهْلُ الْقُرَى الْمُجَاوَرَةِ لَهُمْ أَنَّ دِيكًا فِي قَرْيَتِهِمُ اسْتَوْحَشَ مُنْذُ سُنَيَّاتٍ فَعَدَلَ إِلَى هَذِهِ الصَّحْرَاءِ فَبَقِيَ بِهَا أَرْبَعَ سِنِينَ لَا يَتَعَرَّضُ لَهُ ثَعْلَبٌ وَلَا غَيْرُهُ فَيَدَّعِي أَهْلُ هَذِهِ الْقَرْيَةِ أَنَّهَا مُطَلْسَمَةٌ وَبِقَاشَانَ مِنْ جَانِبِ أردها عَلَى عَشَرَةِ فَرَاسِخَ مِنْ آبِرُونَ قَرْيَةٌ يُقَالُ لَهَا قالهر وَفِيهَا جَبَلٌ جَانِبَ مِنْهُ عَيْنٌ يَرْشَحُ الْمَاءُ رَشْحًا
1 / 157
كَرَشْحِ الْأَبْدَانِ لِلْعَرَقِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسِيلَ ذَلِكَ النَّدَى أَوْ يَسْقُطَ إِلَى الْقَرَارِ فَإِذَا كَانَ (ماه تير روز تير) مِنْهُ مِنْ كُلِّ سَنَةٍ اجْتَمَعَ هُنَاكَ أَهْلُ الرُّسْتَاقِ وَسَائِرُ الرَّسَاتِيقِ الْمُصَافِيَةِ لَهُ وَمَعَ كُلِّ إِنْسَانٍ آنِيَةٌ فَيَدْنُو الْوَاحِدُ بَعْدَ الْوَاحِدِ مِنْ ذَلِكَ الْجَبَلِ النَّدِيِّ وَيَقْرَعُهُ بِفِهْرٍ فِي يَدِهِ وَيَقُولُ بِالْفَارِسِيَّةِ كَلَامًا مَعْنَاهُ (بيدخت) اسْقِنِي مِنْ مَائِكَ فَإِنِّي أُرِيدُهُ لِكَذَا وَكَذَا وَيُذْكُرُ فِي خِطَابِهِ الْعِلَّةَ الَّتِي يُرِيدُ مُدَاوَاتَهَا، فَيَجْتَمِعُ ذَلِكَ الرَّشْحُ مِنْ تِلْكَ الْأَمَاكِنِ الْمُتَفَرِّقَةِ إِلَى مَكَانٍ وَاحِدٍ، فَيَسِيلُ قَطْرًا فِي آنِيَةِ الْمُسْتَشْفِي، وَكَذَلِكَ مَنْ إِلَى جَنْبِهِ وَمَنْ هُوَ بِالْبُعْدِ مِنْهُ فَتَمْتَلِئُ تِلْكَ الْأَوَانِي فَيَسْتَشْفُونَ بِذَلِكَ الْمَاءِ طُولَ سَنَتِهِمْ فَيُشْفَوْنَ وَبِقَاشَانَ ثَمَّ قَرْيَةِ آبِرُونَ قَنَاتُهَا الَّتِي تُسَمَّى أسفذاب مِنْهَا شَرِبَ أَهْلُ آبِرُونَ وَصَحَارِيهَا وَالْقُرَى الَّتِي حَوْلَهَا وَمَفِيضُهَا بِقَرْيَةِ فِينَ،
1 / 158
فَمِنَ الْخَوَّاصِ الَّتِي فِي هَذِهِ الْقَنَاةِ أَنَّ مَنْ يُلْقِي فِيهَا الْمَاءَ أَمْكَنَهُ السَّيْرُ إِلَى أَنْ يَنْتَهِيَ إِلَى مَوْضِعٍ فِيهَا مَحْدُودٍ مَعْرُوفٍ عِنْدَ أَهْلُ النَّاحِيَةِ فَإِنْ رَامَ تَجَاوُزَ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ لَمْ يُمْكِنْهُ لِانْبِهَارٍ يَقَعُ عَلَيْهِ وَانْتِظَامِ نَفْسٍ يَعْتَرِيهِ فَإِنْ لَمْ يَرْجِعِ الْقَهْقَرَي وَقَعَ صَرِيعًا، وَمِنْ خَوَاصِّهَا أَيْضًا أَنَّهُ لَمْ يُنْفَقْ عَلَيْهَا فِي عِمَارَتِهَا قَطُّ دِرْهَمٌ وَلَا دَخَلَ إِلَيْهَا مُذْ كَانَتْ قِنَاءً فَإِنِ انْهَارَ فِيهَا مِنْ جَوَانِبِهَا شَيْءٌ قَلَّ أَمْ كَثُرَ زَادَ مَاؤُهَا وَلَمَّا وَرَدَ عَمْرُو بْنُ اللَّيْثِ أَصْبَهَانَ رَامَ أَنْ يَطُمَّهَا فَجَمَعَ عَلَيْهَا أَهْلَ الرُّسْتَاقِ وَكَانُوا يَطْرَحُونَ الْكَبْسَ فِيهَا أَيَّامًا، وَكَانَ الْمَاءُ كُلَّ يَوْمٍ يَزِيدُ وَيَصِيرُ إِلَى الزِّيَادَةِ حَتَّى رَجَعُوا عَنْهَا عَجْزًا مِنْهُمْ بِهَا وَمِنَ الْخَوَّاصِ الَّتِي بِأَصْبَهَانَ خَرَزَاتٌ فِي قُرًى بِعَيْنِهَا بِرُسْتَاقَيْ قَاشَانَ ورويدشت فَإِذَا غَشِيَتْ تِلْكَ الْقُرَى سَحَابَةٌ فِيهَا بَرَدٌ أَبْرَزُوا تِلْكَ
1 / 159
الْخَرَزَ وَعَلَّقُوهَا مِنْ شُرَفِ الْحِصْنِ فَتَنْقَشِعُ السَّحَابَةُ عَنِ الْقَرْيَةِ وَعَنْ صَحْرَائِهَا مِنْ سَاعَتِهَا وَتُسَمَّى هَذِهِ الْخَرَزَةُ بِالْفَارِسِيَّةِ (مهره بزرك) وَمِنْ خَوَاصِّ أَصْبَهَانَ أَنَّ قَرْيَةً مِنْ قُرَى أَصْبَهَانَ مِنْ رُسْتَاقِ قَاشَانَ يُقَالُ لَهَا قَهْرُوزَذَ بِهَا نَبَاتٌ يُبْسَطُ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ فَيَصِيرُ زُجَاجًا أَبْيَضَ صَافِيًا بَرَّاقًا وَقَدْ حُمِلَ ذَلِكَ الزُّجَاجُ إِلَى كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ أَقْطَاعُ مُشَكَّلَةٌ عَلَى هَيْئَاتِ ضُرُوبٍ مِنَ النَّبَاتِ، وَأَهْلُ تِلْكَ النَّاحِيَةِ يُسْتَعْمَلُونَ ذَلِكَ الزُّجَاجَ فِي أَلْوَانٍ مِنَ الْأَدْوِيَةِ وَمِنْ خَوَاصِّ أَصْبَهَانَ مَرْجٌ بِقَرْيَتَيْ جكاذه، وجورجرد مِنْ رُسْتَاقِ قَهِسْتَانَ فِيهَا حَيَّاتٌ تَنْتَشِرُ فِي حَافَّاتِ ذَلِكَ الْمَرْجِ وَعَلَى الطَّرِيقِ الشَّارِعِ طُولُ الْوَاحِدِ مِنْهَا مَا بَيْنَ الذِّرَاعِ إِلَى خَمْسَةِ أَذْرُعٍ، فَيَتَلَاعَبُ الصِّبْيَانُ بِهَا، وَيَلُوُونَهَا عَلَى أَيْدِيهِمْ وَأَبْدَانِهِمْ فَلَا تَلْسَعُ،
1 / 160
وَمِنْ خَوَاصِّ أَصْبَهَانَ بِرُسْتَاقِ قَهِسْتَانَ مَعْدِنُ فِضَّةٍ وَمَعْدِنُ صُفْرٍ، وَالْفِضَّةُ تَخْرُجُ مِنْهَا ثَمَانِيَةَ مَثَاقِيلَ وَبِرُسْتَاقِ التَّيْمُرَةِ الْكُبْرَى مَعْدِنُ فِضَّةٍ، وَبِالتَّيْمُرَةِ الصُّغْرَى مَعْدِنُ ذَهَبٍ، وَآثَارُ هَذِهِ الْمَعَادِنِ وَآبَارُهَا بَاقِيَةٌ بَادِيَةٌ لِلْعُيُونِ وَبِرُسْتَاقِ الدَّارِ (طسوج جانان) فِي قَرْيَةٍ يُقَالُ لَهَا مَاثةُ دُوَيْبَةٍ فِي خِلْقَتِهَا الْخُنْفِسَاءُ، صَغِيرَةٌ فِي جَرْمِ ذُبَابٍ، تَدِبُّ فِي اللَّيْلَةِ الْمُظْلِمَةِ فَيَتَّقِدُ مِنْ ظَهْرِهَا مِثْلُ السَّرَّاجِ، وَمَنْ أَخَذَ وَاحِدَةً مِنْهَا لَيْلًا فَأَبْصَرَهَا نَهَارًا رَأَى لَوْنَ ظَهْرِهَا الَّذِي يُضِيءُ شَبِيهًا بِلَوْنِ الطَّاوُوسِ خَضِرَةٌ فِي حُمْرَةٍ فِي صُفْرَةٍ وَتُسَمَّى هَذِهِ الدُّوَيْبَةُ براة، وَفِي هَذِهِ النَّاحِيَةِ حِجَارَةٌ شَبَهَ السُّكَّرِ مُحَبَّبِ الْوَجْهِ يُؤْخَذُ مِنْهَا قِطْعَتَانِ وَيُضْرَبُ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ فَتَخْرُجُ النَّارُ مِنْ بَيْنِهِمَا كَمَا تَخْرُجُ مِمَّا بَيْنَ الْحَجَرِ وَالْحَدِيدِ وَمِنْ خَوَاصِّ أَصْبَهَانَ رُسْتَاقِ قَاشَانَ فِي قَرْيَةٍ يُقَالُ لَهَا
1 / 161
كرمند فِيهَا مَعِينٌ يَخْرُجُ مِنْهُ مَاءٌ غَزِيرٌ وَيُسْقَى مِنْهُ زُرُوعُ الْقَرْيَةِ وَيَشْرَبُهُ النَّاسُ وَالْبَهَائِمُ، وَمَا يَفْضُلُ مِنْهُ يَنْصَبُّ إِلَى جَدْوَلٍ فَيَتَحَوَّلُ حِجَارَةً وَمِنْ خَوَاصِّهَا كَهْفٌ فِي جَبَلٍ مِنْ رُسْتَاقِ قَهِسْتَانَ بِقَرْيَةٍ يُقَالُ لَهَا فَازَةُ، يَقْطُرُ مِنْ قُلَّتِهِ مَاءٌ فَإِذَا اسْتَقَرَّ فِي الْأَرْضِ تَحَوَّلَ حَجَرًا وَمِنْ خَوَاصِّهَا عَيْنٌ بِرُسْتَاقِ قَهِسْتَانَ فِي مَوْضِعٍ تُسَمَّى بوذم، يَنْبُعُ مِنْهَا مَاءٌ صَافٍ مَرِيءٌ لَا يَشْرَبُهُ مِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ شَيْءٌ قَدْ عَلِقَ الْعَلَقُ بِحَلْقِهِ إِلَّا سَقَطَ مِنْ حَلْقِهِ وَمَاتَ مَكَانَهُ وَمِنْ خَوَاصِّهَا الْخِشَايَةُ وَهِيَ شَجَرَةٌ تَأْخُذُ أَغْصَانَهَا مِنَ الْهَوَاءِ أَكْثَرَ مِنْ مِقْدَارِ جَرِيبِ أَرْضٍ مُسْتَدِيرَةٍ مُلْتَفَّةِ الْأَغْصَانِ مُكْتَثِرَةِ الْأَوْرَاقِ ظِلُّهَا أَثْخَنُ مِنْ ظِلِّ الْجَبَلِ وَتَحْمِلُ كُلَّ سَنَةٍ خَرَائِطَ مُدَوَّرَةً مَمْلُوءَةً بَقًّا
1 / 162
وَمِمَّا لَا يُوجَدُ مِنْهُ إِلَّا بِأَصْبَهَانَ الجاوشير وَالسكنبيج وَمِنْ خَوَاصِّ أَصْبَهَانَ عَيْنٌ بِقَرْيَةِ قزائن مِنْ رُسْتَاقِ القامزاذ فِي صَحْرَائِهَا يَكُونُ مُسْتَدَرَّاتُهَا ثَلَاثَةَ أَرْمَاحٍ، تَبْرُزُ بِالْمَاءِ كُلَّ سَنَةٍ فِي أَيَّامِ الرَّبِيعُ سَبْعِينَ يَوْمًا مُحْصَاةً فَيَخْرُجُ مِنْهَا فِي مُدَّةِ هَذِهِ الْأَيَّامِ السَّمَكُ الَّذِي بِظَهْرِهِ عُقْرٌ، فَإِذَا تَمَّتْ مُدَّةُ هَذِهِ السَّبْعِينَ الْيَوْمَ، خَرَجَ مِنْ نُقْرَةِ الْعَيْنِ حَيَّةٌ سَوْدَاءُ عَظِيمَةٌ فَكَمَا تَخْرُجُ تَعُودُ فِي مَكَانِهَا وَيَنْقَطِعُ ذَلِكَ الْمَاءُ فَلَا تَرَاهُ الْعُيُونُ إِلَى السَّنَةِ الْقَابِلَةِ وَبِرُسْتَاقِ القامزاذ ثَمَّ (بطسوج الفيشو) كَانَ قَرْيَةٌ يُقَالُ لَهَا هَنَاءٌ بَيْنَ قَرْيَةِ سميرم وَقَلْعَةِ ابْنِ بَهَانْزَاذَ إِلَى جَانِبِهَا تَلٌّ كَبِيرٌ كَأَنَّهُ صَبِيبُ دَرَاهِمَ يُقَالُ لَهُ تَلُّ جَمٍّ، وَذَلِكَ الصَّبِيبُ هُوَ دَرَاهِمُ مِنْ حِجَارَةٍ بِيضٍ
1 / 163
بَرَّاقَةٍ إِذَا صُبَّتْ فِي كِيسٍ وُجِدَ لَهَا صَلِيلٌ كَصَلِيلِ الدَّرَاهِمِ عَلَى وَجْهَيْ كُلِّ حَجَرٍ دَائِرَتَانِ مُتَجَاوِرَتَانِ وَيَبْلُغُ مِنْ كَثْرَتِهِ أَنَّهُ لَوْ رَامَ سُلْطَانٌ نَقْلَهَا مِنْ مَكَانٍ إِلَى مَكَانٍ يَقْرُبُ مِنْهُ بِمِائَةِ جَمَلٍ يُوقِرُ فِي كُلِّ يَوْمٍ مَرَّاتٍ لَبَقَوْا فِي نَقْلِهَا شُهُورًا وَهَذَا شَيْءٌ لَا خَفَاءَ بِهِ وَأُعْجُوبَةٌ أُخْرَى هُنَاكَ وَهُوَ أَنَّ مَنْ سَكَنَ قَلْعَةَ ابْنِ بهانزاذ فِي أَيَّامِ الرَّبِيعِ يَرَى طُولَ لَيْلَتِهِ نِيرَانًا تَشْتَعِلُ مِنْ ذُرْوَةِ حِيطَانِ الْقَلْعَةِ، وَإِذَا قَرُبَ مِنْهَا لَمْ يَجِدْهَا شَيْئًا، وَكَذَلِكَ يَرَوْنَ إِذَا نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى رُءُوسِ بَعْضٍ فَكُلَّمَا كَانَ الرَّبِيعُ أَكْثَرَ أَمْطَارًا كَانَتْ تِلْكَ النَّارُ أَكْثَرَ اشْتِعَالًا وَكَانَتْ مُلُوكُ الْفُرْسِ لَا تُؤْثِرُ عَلَى أَصْبَهَانَ شَيْئًا مِنْ بُلْدَانِ مَمْلَكَتِهَا لِطِيبِ هَوَائِهَا وَنَمِيرِ مَائِهَا وَنَسِيمِ تُرْبَتِهَا، وَالشَّاهِدُ عَلَى ذَلِكَ مَا هُوَ مَوْجُودٌ فِي رِوَايَاتِهِمُ الْمَوْدُعَةِ بُطُونَ الْكُتُبِ، فَمِنْ ذَلِكَ: مَا يَأْثُرُهُ أَهْلُ بَيْتِ النُّوشَجَانِ، وَإِسْحَاقَ ابْنَيْ عَبْدِ الْمَسِيحِ مِنْ أَخْبَارِ جَدِّهِمُ الْمُنْتَقِلُ مِنْ أَرْضِ الرُّومِ إِلَى أَصْبَهَانَ حَتَّى اسْتَوْطَنَهَا وَتَنَاسَلَ بِهَا: حَدَّثَنِي النُّوشَجَانُ، عَنْ عَمِّهِ يَعْقُوبَ النَّصْرَانِيِّ أَنَّ فَيْرُوزَ بْنَ يَزْدَجَرْدَ
1 / 164
الْمَلِكَ كَتَبَ إِلَى مَلِكِ مِنْ مُلُوكِ الرُّومِ قَدْ نَسِيتُ اسْمَهُ يَسْتَهْدِيهِ رَجُلًا مِنْ كِبَارِ حُكَمَائِهِ وَحُذَّاقِ أَطِبَّائِهِ، فَأَنْفَذَ إِلَيْهِ رَجُلًا اخْتَارَهُ مِنْ بُلْدَانِ مَمْلَكَتِهِ فَلَمَّا وَفَدَ عَلَيْهِ قَالَ لَهُ: أَيُّهَا الْحَكِيمُ إِنَّمَا أَنْهَضْنَاكَ مِنْ أَرْضِكَ إِلَى أَرْضِنَا لِتَخَتْارَ لَنَا مِنْ بُلْدَانِ مَمْلَكَتِنَا بَلَدًا يَصِحُّ فِيهِ هَذِهِ الْأَرْكَانُ الْأَرْبَعَةُ الْكِبَارُ الَّتِي بِسَلَامَتِهَا يَطُولُ بَقَاءُ الْحَيَوَانِ، وَبِاعْتِدَالِهَا تَصْحَبُ أَجْسَامَ الْحَيَوَانِ الصِّحَّةُ وَتُفَارِقُهَا الْعِلَّةُ يَعْنِي الْأَرْضَ، وَالْمَاءَ، وَالْهَوَاءَ، وَالنَّارَ، فَقَالَ: أَيُّهَا الْمَلِكُ وَكَيْفَ لِي بِإِدْرَاكِ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: اسْتَقْرِئْ بُلْدَانَ مَمْلَكَتِنَا وَأَيَّ مَوْضِعٍ وَقَعَ اخْتِيَارُكَ عَلَيْهِ فَأَقِمْ بِهِ وَاكْتُبْ إِلَيَّ مِنْهُ لِأَتَقَدَّمَ فِي الزِّيَادَةِ فِي عِمَارَتِهِ وَأَتَحَوَّلُ إِلَيْهِ فَأَجْعَلُهُ دَارَ الْمَمْلَكَةِ فَانْتَدَبَ الرُّومِيَّ لَمَّا أَمَرَهُ وَطَافَ فِي بُلْدَانِ الْمَمْلَكَةِ فَوَقَعَ اخْتِيَارُهُ عَلَى أَصْبَهَانَ، فَأَقَامَ بِهَا وَكَتَبَ إِلَى الْمَلِكِ فَيْرُوزَ أَنِّي جُلْتُ فِي مَمْلَكَتِكَ حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى بَلَدٍ لَا يَشُوبُ شَيْئًا مِنْ أَرْكَانِهِ فَسَادٌ وَقَدْ نَزَلْتُ أَنَا مِنْهُ فِيمَا بَيْنَ حِصْنَيْ قَرْيَةِ يَوَانَ فَإِنْ رَأَى الْمَلِكُ أَنْ يُقْطِعَنِي مَا بَيْنَ الْحِصْنَيْنِ مِنْ أَرْضِ يَوَانَ، وَيُطْلِقَ لِي بِأَنْ أَبْنِيَ فِيهَا كَنِيسَةً وَدَارًا، فَلَمَّا وَرَدَ كِتَابُهُ إِلَى فَيْرُوزَ أَطْلَقَ لَهُ مَا سَأَلَ، فَبَنَى بِإِزَاءِ الْحِصْنَيْنِ مِنْ أَرْضِ يَوَانَ دَارَهُ وَرَفَعَ رُقْعَتَهَا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي فِيهِ دَارُ النُّوشَجَانِ، وَإِسْحَاقَ مِنْ يَوَانَ إِلَى السَّاعَةِ وَبَنَى بِإِزَاءِ الْحِصْنِ الْآخَرِ الْبَيْعَةَ وَبَنَى بِالْحِصْنِ الْآخَرِ مَوْضِعَ رُقْعَةِ
1 / 165
الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ الْيَوْمَ لِأَنَّهُ كَانَ فِي الْأَصْلِ حِصْنَانِ مِنْ حُصُونِ قَرْيَةِ يَوَانَ وَوَقَعَتْ رُقْعَةُ مَوْضِعِ الْبَيْعَةِ عِنْدَ الْمَسْجِدُ الَّذِي عَلَى طَرَفِ مَيْدَانِ سُلَيْمَانَ وَبِنَاؤُهُ بَاقٍ إِلَى السَّاعَةِ، وَتَقَدَّمَ فَيْرُوزُ مِنْ فَوْرِهِ ذَلِكَ إِلَى آذَرْشَابُورَ بْنِ آذَرْمَانَانَ الْأَصْفَهَانِيِّ، وَكَانَ مُقِيمًا بِالْحَضْرَةِ بِالْمُبَارَزَةِ إِلَى أَصْبَهَانَ لِإِتْمَامِ بِنَاءِ سُوَرِ مَدِينَةِ جَيٍّ وَتَغْلِيقِ أَبْوَابِهَا، فَلَمَّا اسْتَقَرَّ قَبَاذُ فِي الْمَمْلَكَةِ أَمَرَ الرُّومِيَّ أَنْ يَخْتَارَ لَهُ بَلَدًا مُعْتَدِلَ الْهَوَاءِ فِي الْأَزْمِنَةِ الْأَرْبَعَةِ الْمُتَوَسِّطَ فِي حَالِ اللُّدُونَةِ وَالرُّطُوبَةِ وَالْيُبُوسَةِ الَّذِي نُسَمِّيهِ خَفِيفٌ رَقِيقٌ مُضِيءٌ تَسْتَرْوِحُ إِلَيْهِ الْقُلُوبُ وَتَنْفَسِحُ لَهُ الْأَبْصَارُ، وَيُخْتَارُ لَهُ مِنَ الْأَحْطَابِ أَطَنُّهَا صَوْتًا وَأَطْيَبُهَا رَائِحَةً الَّذِي يُلْهِبُ نِيرَانَهَا صَافٍ وَحَرُّهَا مُتَوَسِّطٌ وَدُخَانُهَا مَعَ قِلَّتِهِ عَذِيُّ وَيُخْتَارُ لَهُمْ مِنَ الْمِيَاهِ الْفُرَاتُ
1 / 166
الزُّلَالُ الصَّافِي الْعَذْبُ الْخَفِيفُ الْوَزْنِ السَّرِيعُ الِامْتِزَاجِ بِالْحَرِّ وَالْبَرْدِ الْبَعِيدِ عَنِ الْيَنْبُوعِ الْمُنْحَرِفِ مِنَ الْغَرْبِ إِلَى الشَّرْقِ الشَّدِيدِ الْجِرْيَةِ الدَّائِمِ الْإِقْبَالِ لِلْمَطَالِعِ فَلَا يَشُوبُهُ طَعْمٌ كَرِيهٌ وَلَا رَائِحَةٌ مُنْكَرَةٌ وَلَا غَالِبُ الْبَيَاضِ وَلَا نَاصِعُ الْخُضْرَةِ وَلَا أَوْرَقُ الْقَتَمَةِ، الطَّيِّبُ التُّرْبَةِ وَأَنْ يَخْتَارَ لَهُمْ مِنَ الْبُلْدَانِ أَطْيَبَهَا تُرْبَةً وَأَسْطَعَهَا رَائِحَةً وَأَصْفَاهَا هَوَاءً وَأَنْقَاهَا جَوًّا وَأَزْهَرَهَا كَوَاكِبًا وَأَوْضَحَهَا ضِيَاءً الَّتِي لَا عُيُونُ الْكِبْرِيتِ بِقُرْبِهَا، وَإِذَا احْتُفِرَ فِيهَا آبَارٌ لَمْ يُحْتَجْ إِلَى طَمِّهَا، الْقَرِيبَةُ اللِّينَةُ الْمُعْتَدِلَةُ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ فِي الْأَزْمِنَةِ الْأَرْبَعَةِ، لَا قَرِيبَةٌ مِنَ الْفَلَكِ وَلَا بَعِيدَةٌ مِنْهُ لَا مُرْتَفِعَةٌ صُعُودًا وَلَا مُنْخَفِضَةٌ هُبُوطًا وَلَا مُتَدَانِيَةٌ وَلَا مُتَبَايِنَةٌ مِنَ الْبِحَارِ مُوَازِيَةٌ لِوَسَطِ الْأَرْضِ، وَحَيْثُ يَقِلُّ فِيهَا هُبُوبُ الرِّيَاحِ الْعَوَاصِفِ جَازَهَا نَهْرٌ عَظِيمٌ، فَوَجَدْتُ أَيُّهَا الْمَلِكُ أَكْثَرَ هَذِهِ الْأَوْصَافِ الَّتِي يَفُوتُهَا الْقَلِيلُ مِنْهَا فِي إيرانشهر وَهُوَ أَصْبَهَانُ: وَوَجَدْنَا أَخْصَبَ بِقَاعِ الْمَمْلَكَةِ عَشَرَةَ مَوَاضِعَ
1 / 167
: أَصْبَهَانُ، وَأَرْمِينِيَّةُ، وَأَذْرَبِيجَانُ، ودسنين، وماه دينار، وماه نهاوند، وماه كران، وَكَرْمَانَ، وقومس،
1 / 168