أمرًا بلغ مبالغه في الشَّناعة والقبح على حدِّ تعبير ابن خلدون، شاهد هذه المأساة (١).
بهذه الصُّورة القاتمة يختتم قَرْن، ويبدأ قرن، وتتباين صورتا دمشق بين أوَّل القرن وآخره، في أوله خرجت منتصرة على جيوش التتار في شقحب سنة (٧٠٢ هـ)، وفي آخره (٨٠٣ هـ)، سقطت منهزمة، مخذولة، مدمَّرة.
٢ - الصَّالحية
كانت الصالحية يوم انتقل إليها المقادسة سنة (٥٥٥ هـ) جبلًا أجردَ، في ناحيته الغربية يقوم دير أبي العَبَّاس الكهفي، وبجانبه دار فيها اربعة من العلماء الزُّهاد، وفي ناحيته الشرقية دير رهبان مهجور، سكنه أولاد معبد بن مستفاد، وما بين الناحيتين عُزْلة موحشة، وصمت رهيب، ومقابر ..
وكان أول نزول المقادسة -بعد هجرتهم من جَمَّاعيل قريتهم في نابلس- في مسجد أبي صالح بالباب الشَّرْقي، وذلك سنة (٥٥١ هـ)، وقد أنزلهم به بنو الحنبلي؛ وهم القيِّمون على وَقْفه وإمامته، ونُمِيَ خبرهم إلى السُّلْطان نور الدين بن زنكي، فكتب لهم كتابًا بتسليم الوقف والمسجد إليهم، ولكن أحمد بن محمد بن قدامة وهو العالِمُ الخطيب، ما كان ليرضى أن يتخلَّص من ظُلْم الصليبيين ليقع في ظلم أشد، فقال: "أنا هاجرت حتى أنافس الناس على دنياهم؟ ! ما بقيت أريد أسكن ها هنا" (٢).
_________
(١) "التعريف بابن خلدون": ٣٧٤.
(٢) القلائد الجوهرية": ١/ ٣٧.
1 / 15