وسألناه إذا كان لأرملة الزعيم سعادة نشاط عملي في الحزب، أم إنها زعيمة روحية فقط، فأجاب بحدة: إن حضرة الأمينة الأولى لا تمارس أية مسئولية في الحزب، إنها رفيقة الزعيم؛ ليس لها صلاحيات دستورية، أو في المعنى الشائع ليس لها «وظيفة» في الحزب. إن القوميين وأشراف المواطنين يجدون فيها رمزا لبطولة المرأة في بلادنا. إن الذين سجنوها لوثوا أقدس تقاليد أمتنا. أسباب اعتقالها يعرفها من ارتكب جريمة الاعتقال وجرائم التعذيب، حسبوا أنهم يذلون الحزب بالتجني على هذه الشخصية المقدسة. إنه بطش الجبان.
وسألناه أخيرا: هل كان الحزب في سوريا يطمع في إحداث انقلاب وتسلم الحكم سواء الآن أم بعد سنوات؟
فأجاب وهو ينتقل إلى مكتبه الذي تزينه صورة الزعيم سعادة: إن الانقلاب الذي نعمل له هو الانقلاب الخلاق في نفس المواطن، واستلام الحكم في الشام خلال السنوات الأخيرة كان أبدا في مقدورنا، لو أن غايتنا كانت استلام الحكم بالعنف. إن حركتنا هي في جوهرها حركة تثقيفية هادئة، تكون نتيجتها وعيا يسير الحكم نحو خير البلاد وقوتها، لم نستهدف أبدا ترجمة القوة إلى وظائف ولا منافع. إن عدد أعضاء الحزب وفعاليتهم وأهميتهم تفوق أية قوة سواها منفردة، نحن لم نشغل القوى المسلحة بالسياسة أو بالأغراض المحلية، ما أردنا إلا أن يكون رفقاؤنا في الجيش جنودا ممتازين.
حكاية دخولي الحزب السوري القومي الاجتماعي
اليوم بلغت من العمر الواحدة والخمسين، وإني إذ أتمهل فألقي خلفي نظرة تستعرض الطريق التي مشيت، أجد أن نفسي لا تزال مترسخة في طفولتها وقرويتها.
هذا المقال يسرد بطريقة مستعجلة، مشوشة، حكاية دخولي الحزب السوري القومي الاجتماعي. ***
وتبدأ القصة في طفولتي وقريتي «بعقلين»، ونحن في بعد ظهر كل يوم نجلس أمام بيتنا على البوابة، والناس عند العشية يمرون بنا بالبوابة، عائدين من الحقول يقفون؛ ليدعوا الجالسين إلى مشاركتهم بما يحملون من عنب ومن تين. وإن الجالس المراقب يعرف من طريقة إلقاء السلام من الذين يمرون، أكان المسلم صديقا أو عدوا: فأما الصديق فيلقي التحية بحرارة ويرددها، ويستفهم مرارا عن الصحة وعن أفراد العائلة جميعا.
وأما العدو فيتمتم سلاما مسرعا ويمضي.
وإني لا أزال أذكر من هؤلاء شخصا طويل القامة، عريض الكتفين، يحمل شمسية صفراء من «ستكروزا»؛ فهو حين يمر بالبوابة لا يتمتم السلام، ولا يلقيه حارا، بل يصوب الشمسية نحونا حتى لا نراه ولا يرانا.
ذلك كان عدونا الأول في «بعقلين» - محمود الطويل.
Bilinmeyen sayfa