وحدقت به فإذا هو أقصر مما ظننت وأضمر مما توقعت.
وتطلع بي من غير أن يعبس ومن غير أن يبتسم؛ فشخصت بي لمحة عينان فيهما حذر وفيهما يقين، تتألق بهما الشجاعة لا شرسة مبتذلة، بل صافية سامية هادئة.
وشعرت بشيء من الرهبة حين خلوت به في تلك الغرفة التي تشبه القفص، وتكلم جورج عبد المسيح؛ فإذا في صوته بحة وفيه هدير، ولاحت مدينة بومباي من جديد، وفجأة أدركت كيف يتآمر الشعور مع العقل اللاواعي؛ ففي مدينة بومباي رأيت الأسد لأول مرة وسمعت تهداره، وكان الأسد في قفص.
واستأذنني دقيقة ليكتب مقالا، وما إن ذكر كلمة «أكتب» حتى شعرت بتيار يصخب في عروقي، ويثب موجة عارمة تنصب في فراغ كان هناك. وإذا بنفسي نقمة محرقة على هذا الجالس قبالتي - هي ثورة الرجولة على تأنث الخضوع، الذي تملكني لمحة، وإذا بي بركان من البغض والمقت والكراهية والازدراء يجيش على هذا الذي استحال عدوا في لحظة واحدة، وكأنما هو أراد أن يسهل مهمة الكراهية علي حين انبرى «يكتب» في «حضرتي».
وأنست بهذا الهزء يطفو على تحرق العداء، ورحت أنظر إلى تلك اليد الضخمة، وطابة من عضلات تكومت هضبة بين الإبهام والسبابة.
إنه «يكتب».
إنه لمشهد مضحك - جورج عبد المسيح «يكتب». هذه يد خلقت لتلتف حول معول لا قلم، أو لتغرف قنبلة.
إنه «يكتب» هذا الجورج عبد المسيح.
وأسرعت الصفحات أمامه تمتلئ، كيف يكتب هذا «الكاتب»؟ أهذا القلم حنفية تنفتح عن برميل؟ وشارة «الزوبعة» أمامه وخلفه وعلى الحيطان!
وسألته أن يطلعني على ما سطره بلهجة المعلم يطلب من التلميذ أن يقدم له «الفرض» الذي كتبه.
Bilinmeyen sayfa