وبأنْ تكون إدارة الأرض كإدارة السّماء، فانصاع ملوكهم إلى ذلك مُكْرهين. وهذه هي الوسيلة العظمى التي مكَّنت اليونان أخيرًا من إقامة جمهوريات أثينا وإسبارطة، وكذلك فعل الرّومان. وهذا الأصل لم يزل المثال القديم لأصول توزيع الإدارة في الحكومات الملكية والجمهوريات على أنواعها إلى هذا العهد.
إنَّما هذه الوسيلة؛ أي التَّشريك، فضلًا عن كونها باطلة في ذاتها، نَتَجَ عنها ردُّ فعلٍ أضرَّ كثيرًا، وذلك أنَّها فتحتْ للمشعوذين من سائر طبقات النّاس بابًا واسعًا لدعوى شيء من خصائص الألوهية، كالصّفات القُدْسيّة والتّصرُّفات الرُّوحيّة، وكان قبل ذلك لا يتهجّم على مثلها غير أفراد من الجبابرة، كنمرود وإبراهيم وفرعون وموسى، ثمَّ صار يدَّعيها البرهميّ والبادريّ والصُّوفيّ. ولملائمة هذه المفسدة لطباع البشر من وجوه كثيرة -ليس بحثنا هذا محلّها- انتشرت وعمّت وجنَّدت جيشًا عرمرمًا يخدم المستبدِّين.
وقد جاءت التّوراة بالنَّشاط، فخلَّصتهم من خمول الاتِّكال بعد أن بلغ فيهم أنْ يُكلِّفوا الله ونبيّه يقاتلان عنهم، وجاءتهم بالنّظام بعد فوضى الأحلام، ورفعت عقيدة التّشريك، مُستبدلةً -مثلًا- أسماء الآلهة المتعدِّدة بالملائكة، ولكنْ؛ لم يرضَ ملوك آل كوهين بالتَّوحيد فأفسدوه. ثمَّ جاء الإنجيل بسلسبيل الدّعة والحِلْم، فصادف أفئدةً محروقةً بنار القساوة والاستبداد، وكان أيضًا مؤيّدًا لناموس التّوحيد، ولكنْ؛ لم يقْوَ دُعاته الأوَّلون على تفهيم تلك الأقوام المنحطَّة، الذين بادروا لقبول النَّصرانيّة قبل الأمم المترقِّية،
1 / 32