Dokuzuncudan Sonra Tanrı Oldum
وصرت إلها بعد التاسعة
Türler
كانت الصفحة التالية هي قنبلة أخرى؛ صورتي في طالعة الصفحة بحلة أنيقة ورابطة عنق عالية الذوق لا أظن بأني رأيتهما من قبل، لكن ذوقهما يناسبني تماما، وبجوار الصورة كتب: «رئيس التنظيم»، وأسفلها بحروف صغيرة «المهندس محمد الكيال» رفعت حاجبي مستنكرا الاسم ونظرت للسيد «كمال الراعي». - من «محمد الكيال»؟ - هذا اسم معاليك، سيادة الرئيس. - كيف؟ اسمي هو محمد أحمد عبد الفتاح محمد. - الصفحة التالية ستجد فيها شجرة العائلة كاملة، واسم الكيال ستجده من أجدادك، وكل ما حدث هو اختصار للاسم «الرئيس محمد الكيال».
قلبت الصفحة بسرعة لأرى شجرة العائلة التي حلمت دوما بالحصول عليها، وتعجبت من تتبعهم لأصول العائلة، وعرفت أن أصولها تعود لعصر المماليك. - كيف عرفت أن شجرة العائلة بالصفحة التالية وأنت لم تفتح التقرير بعد التعديلات؟ (سألته بلمحة من الخبث.) - سيادة الرئيس، هذا ليس التقرير الأول الذي يتم إعداده بتلك السرعة (قالها منتشيا).
لم أكترث كثيرا بما قال، لكن أعجبني اسم «الكيال»، عدت مرة أخرى للصفحة التي بها صورتي، وجدت تفاصيل لا أعتقد أنه يمكن الحصول عليها حتى بالمراقبة المباشرة لأعوام، تفاصيل التفاصيل تبدأ من ذوقي المفضل في النساء، وحتى طريقة شربي للقهوة.
برغم كل ما كنت أتظاهر به من ثبات ومحاولة لفتح الحوار، إلا أن حالتي العامة كانت تحت الصفر بما لا نهاية من الأعداد، كانت سحابة الذهول مخيمة على عقلي، وأخذت أقلب فوجدت الجميع (عماد، حسن، شنن، شعراني، عم رمضان، أستاذ منير، عصام، الرائد عمر ...) تقريبا كل طاقم العمل مضافا إليهم بعض الجيران، ورجال النقيب الذي عرفت أن اسمه النقيب «رائد القيسوني » من رجال مكافحة الشغب، والحاج «إبراهيم»، والسائق «أبو ميار»، الجميع، الجميع، ولا تقل التفاصيل المذكورة عند كل اسم عن التفاصيل التي وجدتها في صفحتي.
وبعد استعراض أعضاء التنظيم، وجدت تفريغا لمكالمات تليفونية كثيرة، والغريب أن المكالمات السابقة لواقعة التصوير دونت وكأنها كانت مشفرة، وأسفلها النص غير مشفر، ويليها صور التصاريح الخاصة بالتصوير والمرور، شعرت بفوران شديد برأسي وكأنه سينفجر من كم المعلومات التي قرأتها، فرفعت عيني بصعوبة شديدة وطلبت من «كمال الراعي» بعض القهوة والسجائر، وطلبت منه أن يتكرم ويحضرها بنفسه، لا ترفعا مني ولكن خفت أن أنهار باكيا أمامه، كنت أحتاج بعض اللحظات بمفردي.
ماذا يريد هذا الرجل مني؟ ولماذا لم يقم بالقبض علينا جميعا؟ أين بقية المجموعة؟ وأمطرت سحابات الخوف بملايين الأسئلة التي تتوالى، فإجابة كل سؤال تكون بمائة سؤال آخر، وكأنني دخلت في متوالية لن تنتهي، هل ما يحدث حقيقة؟ أم سأفيق بعد قليل قائلا بأنني قد رأيت حلما غريبا؟ هل سأردد «خير اللهم اجعله خير؟» حاولت لم أشلاء ذهني واستجماع طاقتي لأفكر ... نعم، نعم، يجب أن أفكر، لا بل يجب أن أعرف بالتحديد ما يريده «كمال الراعي» مني وبعدها أقبل أو أرفض، ارتحت قليلا لتلك الفكرة التي ركنت إليها مؤكدا لنفسي أنني يمكنني القبول أو الرفض، لكني كنت أدعو الله متضرعا في أعماقي أن يكون هذا الحق من نصيبي.
عاد «كمال الراعي» يدفع بيديه عربة شاي من القرن السادس عشر، قوطية التفاصيل، مرصعة بما لا يمكن وصفه من أحجار كريمة، وخيوط مذهبة خالصة، على منحوتة خشبية مذهبة بأوراق الذهب الفرنسي الخالص، «هل أدرك هذا الرجل ولعي بالتفاصيل وبطرز العاديات ويتعمد العبث بأفكاري؟ يبدو ذلك جليا.»
ناولني القهوة، وفتح علبة كبيرة من خشب الأبانوس المطعم بالعاج، والمرصع بالمجوهرات أيضا، لتنفرج كصناديق الحلي على أدراج متعددة بها العديد من أصناف وألوان الدخان، من السيجار الكوبي الفاخر، ومرورا بالسيجار السويسري والألماني المصنع من أفخر الأنواع، ووصولا للسجائر الألمانية والفرنسية والإنجليزية والأمريكية التي جربتها، أو سمعت بها من قبل ولم يلفت نظري من كل تلك الأنواع غير مجموعة من السجائر الرفيعة جدا، والتي يصل طولها لحوالي خمسة عشر سنتيمترا، وألوانها مبهجة من الزهري الفاتح والسماوي والفستقي والكناري، سحبت واحدة فوجدتها مفرغ منها ما يقرب من نصفها يستعمل كمبسم، سحبتها أسفل فمي لأشم دخانها، فشممت رائحة شرقية دسمة، فرفعت عيني إليه فابتسم قائلا بأن هذه السجائر مخلوطة بالعنبر، وكانت تنتجها شركة الإسكندرية للدخان (قبل إفلاسها) تحت اسم تجاري «سبسيال»، وبعد شراء الشركة الشرقية للدخان لشركة الإسكندرية للدخان تم تخصيص إنتاج هذا النوع لصالونات رئاسة الجمهورية فقط، أبديت إعجابي بمعلوماته وبنوعية الدخان، وسحبت نفسا عميقا بعد قيامه بإشعالها لي، وهدأت في جلستي. - ما المطلوب مني بالضبط؟ (هكذا سألته.) - العفو سيادة الرئيس، ليس مطلوب من معاليك شيء سوى الاستمرار في حملتك الموسعة ضد الفساد وقيادة الإصلاح بالبلاد. - دعك من قصة الحملة الموسعة والمضيقة، أنت من لفقت هذا التقرير فلماذا تحتاجني؟ لماذا لا يتضح أنك كنت رئيس التنظيم «صقر الجمهورية» وأننا جميعا كنا أصحاب الأدوار الثانوية؟ هل تريد توقيعي وجميع أعضاء التنظيم على ذلك؟
يبدو أنني أغظته، أو يبدو أنه يجيد تمثيل ما أود أن أراه كي لا أتطلع لمناورات أكثر، فأشار مستأذنا كي يشعل سيجارا كوبيا «لانسيروز»، وهو المقاس المتوسط للماركة الكوبية الشهيرة «كوهيبا» والتي لم يسمح بتصديرها من كوبا إلا بعد توقف «فيدل كاسترو» عن التدخين بأمر طبيبه (هكذا أخبرني)، أومأت إليه أن يتفضل، فسحب مقصا من درج أسفل صفوف السيجار، قضم به كعب السيجار وأعاده مكانه، وأخرج أعوادا خشبية من المستخدمة في تغليف السيجار داخل الصناديق والتي تشبه قشرة الخشب، مقطعة كأعواد الثقاب الطويلة، وأشعل بقداحة من نفس الدرج النار، فأشعل عودين من خشب السيجار، وانتظر عدة ثوان كي لا يبقى بالنار سوى رائحة خشب السيجار، ثم أشعل سيجاره وأطفأ الأعواد، ونفث بعض الدخان في الهواء كمن يعشق طقوسه، ظل محدقا في دخانه لحظات، ثم قام من مقعده بهدوء وسار إلى طاولة صغيرة في ركن الغرفة، رص عليها ثلاثة أهرامات من المرمر، أحضر واحدا منهم وعاد أدراجه بخطوات مسرحية بعض الشيء، وجلس مرة أخرى واضعا الهرم بيننا. - سيادة الرئيس، الهرم الأكبر، ذلك البناء الضخم الذي يعد رمزا لمصر، ربما لأنه أضخم مبانيها، ربما لأنه من عجائب العالم القديم والحديث أيضا، وربما أنه حقا يعبر عن مصر، بداية من قاعدته العريضة وحتى قمته التي تشق السماء، ملايين الأحجار المتراصة في سكون، في صمت، في نظام، منتهى النظام، تنوع بسيط لكنه في غاية الدقة في اختيار المواد ما بين الحجر الجيري، الجرانيت، والهريم النفيس، سواء كان من الذهب أو الفضة، ولا يمكن تجاهل طبقة الملاص الدقيقة التي تخفي هذا البدن الضخم والتي تتلألأ في الفضاء كنهر من الفضة، مؤسسات الدولة سيادة الرئيس، هي القلب الجرانيتي، ولا يمكن للجرانيت أن يصير ذهبا، ربما كان جزءا من مهمتنا أن نكتشف المعادن النفيسة من بين الأحجار الجيرية وانتقاء الصالح منها ورفعه لرأس السلطة، سيادة الرئيس، يحتاج هذا الهرم لتغير طبقة الملاص التي تغطي أحجاره من وقت لآخر، وقد يتبع ذلك تغيير رأس السلطة، لكن الهرم لا يتغير ولا القلب الجرانيتي يتغير، وما قمت به من انقلاب على السلطة كان هو التسلق والارتقاء من القاعدة الحجرية لرأس الهرم، تحتاج البلاد لهذا النوع من التغيير، تحتاج للانتقال لحكم مدني يتناسب مع التغيرات العالمية، ويجب أن يتم التغيير من خارج النظام وليس من داخله فيظل قلب النظام متوحدا لحمايته.
لم أشعر بمنطقية ما يقول بقدر ما شعرت أنا بحزمه، وشعر هو بقلقي الذي لم يكن يشبه الخوف من التغيير بقدر ما يشبه التشبث بالحياة، لم أجادله كثيرا، بل فضلت الإنصات حتى أبلغني بضرورة الانتقال لأحد القصور الرئاسية المخصصة لإعداد الرئيس، فخرجنا لساحة القصر وقفزنا في مروحية صغيرة نقلتنا لقاعدة ألماظة الجوية، وركبنا طائرة صغيرة، كانت المرة الأولى التي أصعد فيها لطائرة صغيرة، ولم تكن كما ظننت؛ فهي أقل استقرارا في الهواء من الطائرات العملاقة، ذكرتني قفزاتها في الجو بطيران العصافير، واحترمت حينها النسور كثيرا، لم أكن أعرف وجهتنا بالتحديد حتى أبلغني «كمال الراعي» بأن القصر المنشود سيكون بمحافظة الأقصر، لم أزر الأقصر منذ أصبحت محافظة، لكني أحبها حين كانت مدينة، أحب البحيرة المقدسة بمعبد الكرنك، وبهو أساطينه، كما أعشق معبد الأقصر بأعمدته الرشيقة، ولا يضاهى شيء عندي كمعبد تحتمس الثالث بمعبد الأقصر بأعمدته البديعة من اللوتس المقفل والمفتوح، كان الوقت متأخرا، واختفت أضواء العاصمة تدريجيا لتحيط نوافذنا ظلمة مخيفة حاولت معها التمدد والاستسلام للنوم.
Bilinmeyen sayfa