Sokrat: Cesaret Edip Soran Adam
سقراط: الرجل الذي جرؤ على السؤال
Türler
ثم اتجه الكلام إلى الحديث عن الموت ومعناه، وعلى أية صورة سوف يكون فيما بعد، وخجلنا قليلا من التعرض للموت في الحديث، وإن كنا قد أحببنا الخوض فيه، وكان أكثرنا حكمة وكنا متعبين، وكانت تلك فرصتنا الوحيدة في السؤال، ولكنه لم يبد البتة خجلا من الخوض في هذا الحديث، فقد اعتقد أن الموت لن يكون نهايته أو نهاية أي إنسان، ولكنه عرف أنه ربما كان متحيزا في رأيه - في تلك الظروف - وفي اعتقاده فيما أراد أن يعتقد فيه، فسره أن يبحث الأمر معنا.
وأذكر أننا لما جفلنا مرة من معارضته لأن المعارضة قد تؤذيه، حثنا على أن نفكر في الحق أكثر مما نفكر فيه، وقال: «اتفقوا معي إن ظهر لكم أني أقول الحق، أما إذا لم يظهر لكم ذلك فعارضوني ما وسعتكم المعارضة، وتأكدوا من أني لا أخدعكم وأجرفكم معي في تيار حماستي، ثم أنصرف عنكم كما تنصرف النحلة وقد أودعت فيكم لدغتي.»
ولا أستطيع أن أطيل عليكم فيما حدثنا به، وسيحدثكم أفلاطون عما سمع منه، برغم أنه كان في ذلك اليوم مريضا ولم يستطع مغادرة الفراش لكي يأتي إلى سقراط، بيد أنه سمع من بقيتنا، وأعتقد أن الحديث نما في ذهنه فيما بعد، وذلك ما كان يريد سقراط في النهاية لكل منا: لونا من ألوان النمو، وربما نما ذلك اليوم في ذهني كذلك، ولكن ما أذكره هو صديقنا دون حواره، وكان دائما خير محاور، وأعتقد حتى الرمق الأخير أن الموت لن يقضي عليه، وكلما فكرت فيه أعتقد ذلك أيضا.
وأذكر مظهره حينما تكلم عن الإوز العراقي، وقد ذكرنا بغناء الإوز الحلو عند موته - من أسفها كما تعتقد كثرة الناس، وإن كانت الطيور لا تغني من الألم - وقال: إنها طيور أبولو كما أنه خادم أبولو، كما قال: إن خدام أبولو لديهم موهبة التنبؤ، فهم يرون الأشياء الطيبة في العالم الآخر، ويغنون من فرط السرور.
وحدث في الختام كذلك أمر لن أنساه، فقد أخذ يقص علينا قصة مؤداها أن العدالة والطهارة التدريجية قد تدركانه وتدركان كلا منا بعد الموت، ولم يستطع أن يلح في تفصيل ذلك، ولكنه قال: إنها مخاطرة حسنة، وإنه يجب علينا أن نتشجع وأن نرعى أرواحنا خير رعاية، فنحليها بجمالها الخاص بها، من انسجام واستقامة وشجاعة وكرم وصدق، ثم سألته ماذا نستطيع أن نؤديه له؟ وأجاب: لا جديد، ويكفي أن نرعى أنفسنا. إن الألفاظ الكثيرة الآن لن تغير شيئا من الأمر، وإنما المهم هو الأسلوب الذي نعيش على غراره.
ثم سألته أخيرا كيف يريد أن يدفن، وإني لأكاد أذكر ما قال حرفيا: «على أية طريقة تحبون، إذا لحقتم بي ولم أفر منكم!» ثم ابتسم لي ابتسامة رقيقة، ووجه نظره نحو الآخرين وقال: «لا أستطيع أن أقنع أقريطون أني نفس سقراط الذي كان يتكلم منذ لحظة ويدلي بالحجج، إنه يعتقد أني ذلك الجسم الميت الذي سوف يراه بعد برهة، وهو يسألني كيف يدفنني؟» «وها أنا ذا في هذا المكان، لبثت أتحدث وقتا طويلا معزيا إياكم ومعزيا نفسي، وقائلا إني لن أبقى معكم ما أتناول السم، بل سوف أذهب إلى جهة تبعث في النفس السرور بين المباركين، ومع ذلك فالظاهر أني لم أحدث بكلامي كله أي أثر في أقريطون؛ ولذا فإني أريدكم أن تضمنوني لدى أقريطون - كما ضمنني أمام المحكمة - ولكن في اتجاه آخر، لقد وعد أن أمكث في أثينا، وعليكم أن تعدوا أني لن أمكث بعد مماتي، بل سوف أختفي، حينئذ لن تسوء مشاعر أقريطون، وحينما يرى جسمي محروقا أو مدفونا لن يحزن من أجلي كأني أكابد مشقة كبرى، ولن يقول في جنازتي: «هذه جنازة سقراط.»
لأن الألفاظ الكاذبة ليست متنافرة في حد ذاتها يا أقريطون، وإنما هي تبعث على الشر في نفوسنا، فابتهج إذن وقل: إنك تدفن جسمي، وافعل به ما بدا له، وما تحسب أنه يتفق مع التقاليد أشد اتفاق.»
وبعد ذلك ترك الآخرين برهة من الزمن، وأبقاني معه بينما كان يستحم ويعود إلى الحديث مع الأطفال ومع زانثب وقريباته اللائي صحبنها، واستغرق ذلك بعض الوقت، ولما عدنا إلى الأصدقاء الذين كانوا بانتظارنا في الغرفة الخارجية، كادت الشمس أن تغيب.
فجالسنا بعض الوقت، لا يتكلم كثيرا، حتى جاء السجان ليقول إن الوقت قد حان، ويستأذنه في هذا، ويبكي وينعته بأنبل وأرق وخير إنسان أتى إلى ذلك المكان، وتحدث إليه سقراط في رفق.
وذكرت لسقراط آنئذ أن الشمس ما برحت فوق الجبال، وأنه ليس بحاجة إلى تناول السم بعد، وكنت أخشى الحديث، ولكنه لم يخش شيئا، وطلب إلي أن أصدر أمري؛ ولذا فقد جاء الرجل بالكأس.
Bilinmeyen sayfa