Sokrat: Cesaret Edip Soran Adam
سقراط: الرجل الذي جرؤ على السؤال
Türler
في تلك الأيام كان سقراط يمارس ويحس بعمل المصنع وحديث المدينة، وبالألعاب في الطرقات وبمواكب الأعياد والمسرحيات، شأنه في ذلك شأن الصبية الآخرين من زمرته، ومع ذلك فقد بدأ بينه وبينهم الخلاف بعدما شب عن طوقه، فمتى بدأ هذا الخلاف؟
لا بد أن يكون قد نشأ قبل أن يلحظه أكثر الناس بوقت طويل، وربما لحظوا أنه كان أشد رغبة في معرفة الأشياء، ومعرفة الأفكار خاصة، من أغلب أصدقائه، وربما أدركوا أنه أكثر دقة في تفكيره من معظمهم، لم يقنع بشتات من الأفكار المتناثرة، كالطير يسبح في الجو هنا وهناك، وإنما كان يحتاج إلى أن يضم فكرة إلى أخرى ثم يرى الفكرتين تسيران في اتجاه واحد، وربما لحظ ذلك قلة من الناس، ولكن ربما لم يلحظ أحد لفترة طويلة من الزمن ما كان في نظر الأثيني أعجب الفروق جميعا، وهو ما يتعلق بالآلهة.
لما شرع سقراط في وقت باكر جدا يفكر ويسأل الأسئلة عن الآلهة، ألفى خليطا عجيبا من الآراء لا بد من طرقها، كان صديقه ماوس - مثلا - واحدا من خيار الصناع في المدينة، كان يستطيع أن يصنع الجرار والأواني الجميلة البسيطة المتناسقة، وأن يعمل بدقة، وعلى مستوى واضح في ذهنه، حتى لا يتعارض جانب من التصميم مع جانب آخر، ولكنه إذا ما احتاج إلى التفكير في الآلهة، ظهر أنه لا يسير البتة على أي مستوى من المستويات، ولم يكن التصميم واضحا أو متناسقا في ذهنه.
ولما شب سقراط، واتسعت دائرة كشوفه، وجد أن أكثر من لاقى من الناس يضطرب هذا الاضطراب عينه بشأن الآلهة، وكأن طبقات عديدة من الأفكار قد انضم بعضها إلى بعض في وقت من الأوقات، ولكن الصورة لم ترسم طبقا لمستوى معين، وأسوأ من هذا كله أن قليلا جدا منهم من أدرك إلى أي مدى كان الاضطراب مشوشا، أو من حاول أن يبذل جهدا فيه.
ولذا فلما ألقى سقراط أسئلته عن الآلهة، أجيب بمختلف الأقاصيص، منها الجيد ومنها الرديء، كان الناس في الزمن القديم يحسبون أن للآلهة بهم شأنا أكبر مما لهم بنا اليوم، وكان للآلهة من بين الناس من يخصونهم بفضلهم ويقدمون لهم المعونة، ذلك ما حدث لأوديسيس - مثلا - في القصص القديم، فقد وقفت أثينا الحكيمة إلى جواره تعينه في محنته، مختفية حينا، ظاهرة حينا آخر في صورة امرأة جميلة فارعة، وحينا كإلهة ذات عينين رماديتين براقتين ودرع تتلوى على أطرافه الأفاعي، تستطيع أن تستمع إلى دعواته إن أرادت حيثما كانت، وإن كانت تشغل عنه أحيانا، أو يعوقها إله آخر ممن يمقتونه، وعلى أوديسيس حينئذ أن يشق طريقه وحده، وقد فعل ذلك بشكل يدعو إلى الإعجاب نظرا إلى ما كان أمامه من صعاب حتى استعدت أثينا أن تعينه مرة أخرى.
وكان للآلهة كذلك أعداؤهم الذين يمقتونهم، ونجمت عن ذلك الصعاب الجمة للأبطال، فقد أعمى أوديسيس مرة سيكلوبس، ابن إله البحر بوزيدون، ذا العين الواحدة الذي عرف بالعنف، وفعل ذلك دفاعا عن نفسه، ولكنه أخطأ إذ تفاخر بذلك وأفصح عن اسمه فيما بعد؛ ولذا توجه سيكلوبس بالدعاء إلى أبيه لكي ينتقم له، وكان كلما شهد بوزيدون أوديسيس بعد ذلك على متن البحر أثار في وجهه عاصفة، وإذا لم يستطع أن يقبض على أوديسيس نفسه، استطاع أن ينزل العقوبة بربان السفينة وملاحيها الذين تفضلوا عليه وحملوه على سفينتهم، ومن أجل ذلك حول بوزيدون مرة إحدى السفن إلى حجر بعد ما خرج منها أوديسيس، واستقرت السفينة وصارت جزيرة تذكر الأحياء بألا يعينوا عدوا من أعداء إله البحر.
هكذا كان الناس يعتقدون في مسلك الآلهة فيما مضى، يتصرفون كما تتصرف الكائنات البشرية في قوة وعناد، ويعيشون إلى الأبد، يقيمون الولائم ويتشاجرون من أجل محسوبيهم من البشر فوق جبل أولمبس الذي يرتفع في أجواز الفضاء، أما الآن فقد أدرك الناس أن الأمر لم يعد كما كان من قبل تماما، فقد بعد موطن الآلهة ولم يعد لهم - فيما يبدو - محسوبون من عامة الناس، ومع ذلك فلربما كانت أحسن الوسائل لوصف الشعور العجيب الذي ينتاب الظافر في المباريات الرياضية أن تستخدم الألفاظ القديمة فنقول: إن إلها من الآلهة يرعاه.
ولا بأس - بطبيعة الحال - من التوجه إلى الآلهة بالدعاء، بل لقد كان المرء حقا يتوسل إليهم ويقدم إليهم العطايا الملائمة في هدوء وبطريقة طبيعية كأنه يتناول وجبة من وجبات الطعام، ولكل عيد موكب وضحية لإله من الآلهة، وكانت المباريات الرياضية والمسرحيات وحفلات الموسيقى من الشعائر المقدسة، وكانوا يضحون بالحيوان، لا يقتلونه فحسب، قبل أن يطهى للغذاء، وكلما ولد طفل أو بلغ سن الرشد أو تزوج أو مات، أو خرج إلى قتال، أو أقلع على ظهر سفينة، أو تولى وظيفة عامة، قدمت الضحايا التي تليق بالمناسبة، وقد أعطى هذا الأسلوب من العيش أسرة سقراط وأصدقاءه شعورا مريحا بأنهم على صلات طيبة بالآلهة وكذلك بعضهم ببعض؛ لأن هذه الحفلات جميعا كانت مناسبات اجتماعية، تختلف عن طريقة الانزواء في ركن من الأركان للصلاة، وكلما شب امرؤ تحدد له في الموكب أو في الضحية مكان، كما تحدد له دور خاص يؤديه، وليس أثينيا البتة من لم يأخذ في عبادة المدينة بنصيب.
وإذا كانت الآلهة الآن آلهة المدينة، وقد تخلت عن أن تخص بالرعاية قوما دون الآخرين، إلا أنها ما زالت تملك أن تنزل العقوبة بمن تشاء ، كانت الآلهة في الزمن القديم تعاقب في أغلب الأحيان من يسيء إليها إساءة شخصية، وبرغم زيادة اهتمامها بالعدالة عامة، فما برحت تعبأ كثيرا بشرفها وكرامتها، وكان ذلك من الأسباب الهامة جدا التي تدعو المرء إلى عدم الحنث بيمين مقدسة، إذا أقسم المرء أن يؤدي عملا، وأشهد زيوس أو أبولو على صحة ما اعتزم، فإنه يقحم بذلك في الأمر كرامة الآلهة.
وكانت الآلهة بالطبع تمقت القتل كذلك، وبخاصة إذا ارتكب في معبد أو عند موقد بيتك؛ لأن الموقد كان كذلك مذبحا، وحتى إن قتلت عن غير قصد فإن الدماء تبقى لطخة تصعب إزالتها، وأهم من ذلك كله كانت الآلهة تمقت الكبرياء؛ لأن المتكبر يرتفع إلى مكانة عليا فوق المستوى الذي يحق له أن يحل فيه.
Bilinmeyen sayfa