Dünya Sandığı
صندوق الدنيا
Türler
فصعد الجندي فيه نظره وصوبه ثم قال: «ادخل من هنا وامش في خط مستقيم.»
ففعل ولم يزل داخلا حتى صار في حجرة واسعة فاخرة الأثاث، ولكنه لم يجد فيها لا مكتبا ولا وزيرا والتفت فرأى بابا مواربا فمد عنقه وأطل منه فرأى مكتبا وليس أمامه إنسان، فشجعه خلو المكان فالتفت وراءه فلم يجد أحدا، فتقدم خطوة وأطل مرة أخرى فأخذت عينه ما أيقن معه أن الغرفة غرفة الوزير، ولكن الشك خامره. إذن أين الوزير والساعة الآن الحادية عشرة؟ وكيف يخلو المكان من حجاب وشرطة وموظفين قائمين في خدمته؟ كلا. بل أكبر الظن أن الوزير في مكان آخر. ورجع فالتقى بشرطي فسأله. فقال بل هي الغرفة وهنا (وأشار إلى غرفة صغيرة) سكرتير الوزير. فحمل بطاقته مستأذنا في الدخول عليه وخطر له وهو يناوله البطاقة أن مخبري الصحف مساكين؛ لأنه ظنهم لا يدخلون على موظف إلا إذا بعثوا إليه بطاقاتهم مقدما. وأذن له في الدخول فحياه بلسانه ورفع به بالسلام فلم يزد السكرتير على أن هز رأسه، وقال: نعم. قال هل أستطيع أن أقابل معالي الوزير؟
قال السكرتير: «إنه مريض.»
فقال صاحبنا: «مريض؟ لا بأس عليه. أرجو أن تبلغه سلامي.» فابتسم السكرتير وخرج «م». وقد سره أن الوزير مريض وأنه نجا من لقائه أكثر مما ساءه أن عاد بلا جدوى.
وخيل له أن رئيس التحرير يدرك ما انتابه وأنه يتعمد أن يصرفه عن الكتابة ويكلفه مهمات من هذا القبيل، فقد بعث به في اليوم التالي إلى وزير الحقانية، فخرج ولم يركب في هذه المرة سيارة؛ لأنه تفقد ما في جيبه فاستقله، ولم يشأ أن يرهق الجريدة بكثرة النفقات، وخجل أن يطلب أجرة الركوب مقدما. ولم يكن قد احتاج من قبل أن يذهب إلى وزارة من الوزارات، فسأل بعض من لقيهم في الطريق فدلوه، وكان وهو سائر يفكر في ثقل هذه التكاليف وفي هذه الضرورات المتعبة، وانتقل من هذا إلى التفكير في الموضوع الذي يقصد إلى الوزير من أجله، فلم ير أن المسألة تحتاج إلى استفهام أو لقاء وزير، وكيف يبدأ الكلام؟ وماذا يفعل إذا رفض الوزير أن يجيب؟ ولماذا لا يذهب رئيس التحرير بنفسه؟
وكان في أثناء ذلك قد دخل من باب وزارة وقطع الفناء ووصل إلى السلم فصعد وهو لا يزال يحاور نفسه، وسأل عن غرفة السكرتير فسار به شرطي إليها، فأعرب له عن رغبته في مقابلة الوزير، وكان السكرتير يعرفه فأكرمه ورحب به وطلب له قهوة، وبعد نحو ساعة مضى به إلى باب فتحه وأشار إليه أن يدخل.
فقال الوزير: «أهلا وسهلا ... زيارة نادرة، تفضل.»
فجلس على حرف الكرسي وافتر فمه عن ابتسامة بلهاء، وكان يدرك أن عليه أن يتكلم، ولكن لسانه خانه كأنما قد استل منه، ولم يكن ينقصه أن يحدث له هذا ليزيد ارتباكه، وكان الوزير دمثا رضي الخلق، فابتسم وقال له وهو يميل إليه: أتشرب القهوة؟ - كلا! - إذن خذ سيجارة. - ولا هذه! - ألا تدخن؟
فأومأ المسكين برأسه أن نعم، فقال الوزير «إذن يجب أن تدخن!»
وقدم له العلبة فأخذ منها واحدة وأسقط واحدة أخرى على المكتب واستطاع فضلا عن ذلك أن يطير بكمه بضع أوراق، وانحنى يريد أن يلتقطها ويعيدها إلى مكانها، فصدم المكتب برأسه ونزل الطربوش إلى أذنيه، فضحك الوزير وقال: «لا بأس، والآن ماذا أستطيع أن أفعل لك؟»
Bilinmeyen sayfa